بعد غياب تواصل 5 سنوات، عادت الفنانة التونسية نبيهة كراولي ليلة أول أمس لاعتلاء ركح المسرح الأثري بقرطاج في اطار الدورة السادسة والأربعين لمهرجان قرطاج الدولي بعرض موسيقي عنوانه «حلّ البيبان». الأبواب أو «البيبان»، فتحت في وجه الفنانة نبيهة كراولي فحضر حفلها قرابة 6 آلاف متفرّج، وظل رابضا الى آخر الحفل مستمتعا بأجمل أغاني سليلة قفصة، وروائع تراث هذه المنطقة. وما فتئ الجمهور بين الأغنية والأخرى يطلب من صاحبة عرض «حلّ البيبان»، الأغاني التي يريد سماعها، وكانت نبيهة كراولي في كل مرة تستجيب لطلبات جمهورها وهي التي كانت منتشية بذلك الاقبال وبتلك الحفاوة التي استقبلها بها جمهورها. فغنت له أغاني لم تكن موجودة في برنامج العرض. كما غنّت له أغاني من ألبومها الجديد على غرار أغنية «ما تلزمنيش» وأغنية «ممشوط غمار» وهي أغنية من التراث القفصي الذي كانا حاضرا بقوة في عرضها الأخير وهي أبرز هذه الأغاني أغنية «واللّه مغروم بالغزالة» التي طلب الجمهور إعادتها ورقص على إيقاعها. جولة مغاربية وبالاضافة الى أغانيها القديمة والجديدة، فقد تضمن عرض الفنانة نبيهة كراولي أغاني مغاربية على غرار أغنية «أودعوني» (تراث مغربي)، المشهورة بصوت الفنانة التونسية الراحلة «صليحة» وأغنية «نجمة قطبية» (الجزائر).. وبذلك تكون نبيهة كراولي قد فتحت الأبواب أمام سوق مغاربية وهي التي قامت بجولة مغاربية في السنوات الخمس الماضية، إلاّ أن النقطة السلبية الوحيدة في العرض تتمثل في التحول غير المنتظم بين الأغاني، فمن الايقاع الى الرومنسية ومنها الىالايقاع مجدّدا. وقد يعود ذلك الى استجابة نبيهة كراولي لطلبات الجمهور، لكن ترتيب الأغاني ظل النقطة السلبية الوحيدة بالنسبة إلى البعض. سهرة تونسية وباستثناء الأغاني المغاربية القليلة في عرض «حلّ البيبان» فإنّ أغلب الأغاني تونسية، بل ومحليّة مائة بالمائة وهي ميزة من ميزات «حلّ البيبان»، وخاصة من خاصيات نبيهة كراولي التي انطلقت بأغان ليست فقط تونسية وإنما أيضا جهوية فاختارت التراث القفصي لونا مميزا به تبرز أصالتها وبصوتها الخاص تعرّف بهذا التراث في بقية جهات البلاد التونسية وخارجها. انفتاح وتوزيع عرض «حلّ البيبان» تميز موسيقيا بكونه تضمن مزيجا من الآلات الموسيقية والتراكيب الايقاعية مع الجمل الأصلية التي تقدمها الفنانة التونسية، فحضرت آلات النفخ النحاسية كالكلارينات والساكسو والترومبات لتضيف للجمل الموسيقية التونسية حسّا جديدا أونغما جديدا لم يمسّ من أصالتها بقدر ما أضاف لهذه الجمل جمالية خاصة في توزيع موسيقي جديد لأغلب أغاني الفنانة نبيهة كراولي. توزيع قال عنه عدد هام من الحاضرين إنه مميز وخفيف، فضلا عن الجمالية والمتعة التي أضفاها على عرض «حلّ البيبان». فرقة مميّزة ولئن تميّزت الفنانة نبيهة كراولي بصوتها وبحضورها الركحي كالعادة، فإنّ الفرقة الموسيقية المصاحبة لها بقيادة المايسترو الشاب «أمين بوحافة»، كانت من أبرز ميزات عرض «حلّ البيبان» فجمعت نخبة من أبرز العازفين من تونس ومن خارجها، وأفضى هذا التكامل والتناسق بين أعضاء الفرقة الموسيقية والفنانة التونسية الى تقديم حفل موسيقي تونسي جمع بين الأصالة والحداثة (طبعا موسيقيا) وكان في مستوى تطلعات الجمهور الحاضر بأعداد محترمة في عرض «حلّ البيبان». الغزال في قرطاج ويبدو أنّ الفنانة نبيهة كراولي تجمعها قصّة حب كبيرة مع الغزال، حيث حضر «الغزال» و«الغزالة» في عدد هام من أغاني عرض «حلّ البيبان» وخاصة في أغنية «واللّه مغروم بالغزالة». كما تحلّت نبيهة كراولي بفستان أحمر اللون قالت عنه سابقا إن لونه لون «دم الغزال». كل هذه المعطيات تنضاف الى رقة صاحبة عرض «حلّ البيبان» وحضورها الركحي اللطيف وصوتها الخاص والمميّز لتجعل منها «غزالة قفصة» المدلّلة التي تقنع بأدائها صوتيا وركحيا أينما حلّت. إذن «حلّت البيبان» في وجه «نبيهة كراولي»، فنيّا وإعلاميا، لكن المستقبل لا يقف عند فتح الأبواب بل يقتضي جهدا مضاعفا، ومثابرة وعملا حتى تظلّ الأبواب مفتوحة وحتى تواصل «نبيهة» بناء مسيرتها الفنية على أسس سليمة.