سلطات الاحتلال الامريكي في العراق رفضت الافراج عن العالمة العراقية هدى صالح عمّاش... وهذا الامر ليس غريبا.. الحالة الصحية للدكتورة هدى عمّاش تتدهور، وهي تعاني من مرض عضال... رغم هذا لم نر هيئة الصليب الأحمر تستغيث، ولا المنظمات النسوية التي تدّعي النضالية والتقدمية تعلي صوتها من اجل هذه المرأة التي جنى عليها علمها الذي نجده كاختصاص متقدّم في علم الأحياء افزع الامريكيين الذين يعرفون المرأة جيدا لأنها درست في كلياتهم ورفضت المكوث عندهم.. وهذا ايضا ليس غريبا... الغريب في كل هذا، ان هناك من لا يزال يروّج لصورة امريكا الانسانية... وهذا هو الخطر بعينه... فلا الأسير المريض يمكن ان يحرّك مشاعر هذا المحتلّ، ولا السجين المعذّب في أبو غريب والناصرة والبصرة، يستفزّ مشاعره، ويدعوه الى الامتثال الى قرارات واتفاقيات القانون الدولي الانساني. هذه هي صورة الاحتلال على حقيقتها، صورة بلا رتوش.. يعذّب الأسير في اسره ويعتدي جنوده على السجناء في زنزانتهم.. وفظاعات من هنا وجرائم حرب من هناك ورغم هذا، لا احد قادر على فتح فمه والتعليق بكلمة نقد واحدة... لماذا يا ترى؟ ألعجز جماعي اصاب المعمورة أم لقوة قصوى تتملّك المحتلّ (اسم فاعل)؟ هذه امرأة تئن تحت سياط العذاب والتعذيب والمرض، لكل ذنبها انها تحبّ العراق «كما لا يحب العراق احد».. هاهي تصارع المرض العضال، هي التي لو التقيتها يوما وهي في مركز القرار كما حدث لي قبيل 20 مارس 2003 بأسابيع، لتفطّنت انك امام انسانة شديدة الدقة، نحيفة وقصيرة القامة، وصوتها لا يعلو على اصوات الاطفال.. لو التقيتها وهي في موقع القرار، لتساءلت كما تساءلت بنفسي وأنا أمامها: من اين تستمدّ هذه المرأة الرقيقة، قوّتها وشجاعتها؟ انها تستمد كل ذلك من العراق ومن صمود وقوة هذا البلد، الذي ما ان آمن به ابناؤه حتى تحوّلوا الى صقور جارحة، تصل الاعداء وتلقنهم الدروس في الاصرار على محاكاة الكبار.. وهذا هو ذنب د. هدى عمّاش، التي تحدث عنها طارق عزيز الأسير لمحاميه، وقال انها مريضة، بل وتحتضر... ما الذي كان يحول دون هذه المرأة العالمة والمتعلمّة في كليات امريكية وأخرى أوروبية وبقاءها وتألقها في بلاد «العم سام» الا تلك الميزة التي تتملّك كبار النفوس منّا وتهجر صغار النفوس من بيننا؟ ما الذي جعلها تتحمل كل هذا العذاب والأسر، وهي العالمة في اختصاص لو رفعت اليوم وبعد سنة ونيف من الأسر بنانها للمحتلّ تدعوه للتعامل معه لأضحت متقدمة على كل هذه الوجوه العميلة التي نرصدها في العراق وخارج العراق... لكنها اصرّت ولاتزال على كشف وجه الاحتلال القبيح على صخرة العلماء الذين أرادوا ان ينهضوا بالعراق وبالأمة.. كانت الأبواب ستكون مشرعة امامها، فيتزيّن الاحتلال بما ستصبغه عليها كلمات هدى عمّاش، لكنها أبت ان تستبدل العراق بحفنة دولارات.. او بمنصب في وكالة الطاقة الدولية كانت عمّاش ستحصل عليه لو انها خانت.. أهذه خنساء جديدة امامنا... أم زرقاء اليمامة، «أم حذامي» انها كل هؤلاء وغيرهنّ في الماضي والمستقبل.. هكذا هو الاحتلال بلا «رتوش» ولا زيف، يرفض اطلاق سراح اسيرة امرأة تحتضر جرّاء مرض خطير... ثم يريدون منا ان نصدّق انهم حمّالي حرية وديمقراطية..