ملأت الخنساء الدنيا صراخا وعويلا لما مات أخوها صخر، ولما قدمت على رسول الله ص مع قومها بني سليم اسلمت وحسن اسلامها، حتى اذا فتحت جبهة الشرق مع الفرس قالت لأولادها الاربعة: فإذا أصبحتم غدا سالمين فاغدوا الى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على اعدائه مستنصرين، فاذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها. فقام الأولاد المؤمنون الاربعة وقاتلوا حتى قتلوا جميعا، ولما بلغها الخبر بذلك قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وارجو من ربي ان يجمعني بهم في مستقر الجنة. هذا هو الفرق بين انسان الجاهلية وانسان الاسلام، ذلك ان انسان الاسلام قد تبدل وتغير وتغير فيه كل كلامه ومشاعره وافكاره وآلامه وآماله، فمنذ ان خطى عتبة الاسلام اضحى انسان آخر لا علاقة ولا صلة له بانسان الامس الجاهلي. هذه الشاعرة التي تعيش في البداية، بعقلها البدائي وفكرها السطحي فقدت اخاها صخرا فأحست بأنها فقدت شيئا كبيرا من حياتها، لان حياتها الصغيرة تهنز لأدنى ريح، وتنكسر بأدني عاصفة فلما اسلمت علمت ان الدنيا فانية بكل ما فيها من قرابة ومتاع وزينة، كما علمت ان الدنيا متقلبة بالانسان لا تستقيم لأحد، ولا تلبث ان تهز الانسان بفقد عزيز او خسارة مهلكة او مصيبة فادحة، وعلمت ان الله يتصرف في ملكه كيف شاء لا معقب لحكمه. اذعنت نفسها لله بعد اليوم وغدت هموم الامس الجاهلية في هباء، واضحى لها بعد اليوم هموم الدنيا ونشر رسالة الله، وكيف لها ان تشارك في شرف هذه المعركة، فما كانت لها غير أبنائها الاربعة، فحثتهم على الجهاد وأمرتهم بالثبات، ثم دفعتهم الى معركة القادسية وانطلقوا يرتجزون وينشدون انشودة الموت فقال أحدهم: والله لا يفضي العجوز حرقا قد أمرتنا حربا وعطفا نصحا وبرا صادقا ولطفا فبادروا الحرب الضروس زحفا وبلغها الخبر ان الاربعة سقطوا في ميدان الشهادة في سبيل، لم تولول ولم تصرخ كما فعلت بأخيها، مع ان أولادها أحب اليها من أخيها، لكنها قالت قولة المؤمن الصابر المحتسب: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وارجو من ربي ان يجمعني بهم في مستقر رحمته.