الرأي الأول : أبو القاسم الشابي أقنع جميع القراء ومحبي الشعر ولم يقتنع به شعراء ما بعد الاستقلال. الرأي الثاني : يتهمه بعض الشعراء بأنه التهم نصيبهم من الشعر ولم يترك لهم فرصة البروز. عندما نقارن الرأيين يبرز لنا أبو القاسم الشابي شجرة امتدت عاليا فحجبت غابة الذين أتوا من بعده وامتهنوا الشعر... هذا صحيح وصحيح كذلك أن موت الشابي المبكر والحسرة عليه ساعدا في ظهور آراء وتكهنات وتنبؤات واحتمالات عديدة تصب كلها في تصور هامة شعرية للشابي أكبر من تلك التي تركها في النفوس وفي القصائد. ويمكننا أن نسأل هنا : ماذا لو أن الشابي عاش أطول فعاشر الاستقلال وما بعده؟ تتعدد الأجابة الافتراضية : اما أن يصاب بخيبة أمل في مجتمعه فيصمت اما أن يلقى نفس المصير الذي لقيه زملاؤه أمثال سعيد أبو بكر ثم منور صمادح وغيرهما.. اما ان تتغير مواقفه أو يطأ بلاط الحكومة فيتغير شعره. أو أن يساير الحداثة فيطور قوله ويفرض نفسه شرقا وغربا وانا مع الاحتمال الأخير... لماذا؟ عندما نتبع خطوات أي شاعر علينا قبل كل شيء أن نتناوله في الظرف الزماني والمكاني الذي عاش فيه... عاش الشابي في بداية القرن الماضي ورأيناه كيف يتحدى بجرأة المعتقد والعقيدة. يروي إن صديقه محمد الحليوي طلب منه أن يغير البيت الشعري : إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر بالبيت التالي : إذا الشعب يوما أراد الحياة وشاء الإله استجاب القدر والفرق شاسع بين البيتين وبين الموقفين... فالأول يركز على ارادة الشعب وضرورة استجابة القدر لتلك الإرادة بينما يقبع البيت الثاني في كف القضاء والقدر ومشيئة الله ويربط قدرة الشعب على التغيير بارادة فوقية... ولا بد لنا أن ندرك الظروف التي استطاع فيها الشابي أن يفرض قوله هذا... ولسنا بحاجة للعودة الى الطاهر الهمامي الذي بيّن لنا كيف نعتبر الشابي مجددا لأنه مجدد بطبعه.. وانضمامه إلى مجلة «أبولو» ونصوصه الرومنطيقية دليل على أن الشابي سبقنا في الحداثة (بالمفهوم الحالي لها) كما سبقنا في كتابة الشعر السياسي وفي كتابة القصيدة النثرية. وأما كتابته في المرأة فلم تتجرأ على ما تجرأ عليه، فهو الذي شبهها بالله ومنحها عدة صفات الاهية وهذا دليل آخر على أن شاعرنا شجرة قادرة على حجب غابة بأكملها. نحن نعتز بشاعرنا ونفتخر بأننا تتلمذنا على قصائده ولكننا نتمنى أن تكون للشابي سلالة صافية من الشعراء وهنا التقي مع الذين يعيبون على السلطة الثقافية في تونس ويتهمونها بأنها تعمدت تضخيم الشابي لقتل الشعراء الذين لا يمشون في ركابها ونقول ان الرفع من قيمة الشعراء المعاصرين والأحياء رفع من قيمة الشابي واقرار بإن التربة التي أنجبته قادرة على اعطاء المزيد وان الشابي ترك من بعده جيلا يقول الشعر ويضيف إلى تونس التي انتجت العديد من المبدعين....