الكونغو «الشروق» من مبعوثنا الخاص خالد الحداد: على قتامة الوضع في جمهورية الكونغو الديموقراطية التي ألحقت بها الصراعات والحروب أضرارا بالغة وكبّلت حركة البلاد نحو النهضة والنماء، فإن العاصمة كنشاسا تعجّ ب «حركة فنية عالية» وقفت «الشروق» على عدد منها وقد عبر عن صمود الفن وتحدّيه للقتل والدماء وأصوات اقنابل والمدافع وطلقات الهاون والرشاش... هذا هو الفن رفيق الانسان منذ نشأته وفي مراحل دربه الطويل والشاق لا ينفك عنه ولا يغيب عن خطاه لحظة من الزمن... ولعلّ ما ينتج الآن في الكونغو (حيث الدمار والخراب) من أعمال فنية بديعة ورائعة وخلابة لتقيم الدليل على أن الانسان قادر على الدوام ان يتواصل مع الحياة في أبعادها الفنية بمنتهى «الاحساس» والابداع الخلاب لا تعيقه في إنجاز ذلك أية صعاب ولا تقف في وجهه أية تحديات وعله ما يفسّر «العجائب» التي أقامها البشر البدائيون ورسموها على جدران التاريخ لوحات وفسيفساء خالدة باقية ما بقي الزمن... «دعوني والطبيعة وسأصنع منها العجب العجاب، سأشكّل من أطرافها لبنات لحياة من الجمال والنماء»... صوت الفن الذي رافق الانسان منذ نشأته وسيلازمه الى مماته... «سوق الاشياء الثمينةَ» ينتصب في قلب العاصمة الكونغولية كنشاسا سوق كاملة تحتضن مختلف الابداعات الفنية (لوحات / رسوم / منحوتات / قلائد وأساور...) التي أبدع واضعوها في التفنن في رسم ملامحها معبرة عن حياة الافريقي وعلاقته بمحيطه وبالعالم من حوله... من الخشب نحتوا حركات للبشر في صيرورة حياته اليومية وهو يعمل وهو يجتهد ويكد من أجل لقمة العيش وقوت العيال... وعلى النحاس وبه رسموا ملامح للبطولة ومعالم للقيم والامجاد الافريقية... ومن الحجارة ألّفوا تشكيلات عجيبة وتوليفات بديعة... وعلى أقمشة متعددة حبّروا مشاعرهم وأحاسيسهم وعبّروا عن هموم حياتهم ومشاغلهم التي لا حد لها... هكذا هو سوق الاشياء الثمينة (Marché des Valeurs) كيفما أسّسه أهل كنشاسا سوق للفن والابداع... وكان ومايزال مقصدا للسياح والاجانب يرتادونه ل «ملامسته» حسّ فني افريقي بديع ونادر، ازداد اهتمام أصحابه به عندما أضحى «مورد رزق» ومصدرا للاستثمار وكسب قوت الحياة... فكلما كان العمل والجهد الفني بديعا ومتقنا كلما غلا ثمنه وزاد سعره... رقص وتخمة إعلامية وعلى جنبات الطرق وفي الاحياء يزدهر فن الرقص عند الكونغوليين وتنظم له حفلات تكاد تكون يومية... هو هكذا الرقص كالماء والهواء عند هؤلاء... لا ينفكون عنه ولا ينفك عنهم أبدا وعلى الدوام... وقد خصّ أهل الكونغو «الرقص والغناء» بعناية إعلامية فائقة وذلك لايصاله الى كل البيوت وإسماعه كل الآذان والعقول... وتبث أزيد من قنوات تلفزية و إذاعة على مدار اليوم ملامح من «الرقص والغناء والانشاد الافريقي» وتنقل صورا ناطقة عن «هيجان» فني ملتصق بالجسد الافريقي لا ينقطع عنه الى آخر الممات. إنه الوجه الآخر الحي في المشهد الكونغولي... إنه «الحلم النامي» و»الرؤيا المتصاعدة» التي ستحفظ الكنز الافريقي من الذوبان والاضمحلال مثلما يرغب له في ذلك أجانب غرباء لا يبحثون إلا عن المصالح والمواقع والغنائم.