هل نقف لنتفرّج على التاريخ وهو يمرّ عبر نسيج العمر... عبر الاجيال بحلقاته المعيشة والمنقولة والمشاهدة دون التزام بالوفاء؟ دون تعهّد بالحفظ والصّون من ريح الزيف والتزييف ومن سموم النسيان؟... هل يقف المرء بقفاه متناسيا جسورا مكّنته من الوصول والثبات... جسور أمّنها الاسلاف من دمهم وأعصابهم وأعمارهم وأرواحهم الزكيّة... جسور لبناتها الجهد الانساني والتفاني والايثار والتضحية؟ إلى أي حدّ نحن اليوم ننصف من صنعوا التاريخ أمس حتى ينصفنا التاريخ غدا؟ * * * ثمّة من الأحداث والوقائع والحقائق التي جدّت في الوطن خصوصا تلك التي تتّسم بالوطنية الصادقة من نضال وجهاد وتضحية بالنفس والنفيس ومنها ما أغفلته الصحائف المرسومة وناءت الذاكرة بها حملا. حينها يبرز وفاء الخلف للسلف بحفظ الذكرى ونقل السير. * * * في هذا السياق من الوفاء جاء كتاب «منزل تميم تقارع الاستعمار» لمؤلّفه الدكتور جلول عزّونة وقد صدر عن «الأخلاء» وقد تضمّن هذا الجزء الاول 160 صفحة من الحجم المتوسط. ويحتوي على جملة من الوثائق والشهادات جمّعها المؤلف عن نضال الوطنيين الاحرار في موطنه منزل تميم خلال نصف قرن 1911 1964 . وقد استشهد المؤلّف في مطلع كتابه هذا بفقرة للاستاذ ابو القاسم كرّو من «حصاد العمر» يقول فيها ما ينطبق الى أبعد حد مع مضمون الكتاب: «وعندي أن التاريخ هو علم بقواعد بحثه ومنهج تدوينه... ولكنه أدب بأسلوب كتابته وعرضه، وهو حين يتّصل بالوطن، حبّ صادق ووفاء عميق. وهو اكثر من ذلك حين يكون صورة لبطل ولوحة من كفاح وسجلا لحياة المقموعين والمعذّبين والشهداء... أي حين يعكس بطولات البسطاء والفقراء من ا بناء الشعب». وهذا الكتاب الصادر هذه السنة من رصيد الكاتب والباحث جلول عزونة يندرج في هذا الاطار. ويعدّ تكريما لمن لم تحتف بهم كتب التاريخ ممّن ناضل وقاوم المستعمر. وقد اقتصر المؤلف في هذا الكتاب على دور الموثّق يقول ص 8: «(...) حتى نعطي الاجيال الحاضرة والمستقبلة مادّة أوليّة تصلح للتفكّر والبحث والمقارنة والنقد». هذا المصنّف الذي صدر منه الجزء الأول على درجة من الاهمية لا يمكن ان يختصر لما يتضمّنه من عديد الروايات والشهادات ممن عاشوا الفترة النضالية ضد الاستعمار مع صور فوتوغرافية حيّة لبعض المناضلين. ويعتبر وثيقة تاريخية هامة. كما يأتي هذا المصنّف في الترتيب الرابع عشر من مؤلفات الكاتب.