عشية الخميس الماضي كان الموعد في المعهد العالي للموسيقى بتونس مع تظاهرة ثقافية فنية جمعت بين الشعر والموسيقى والتكريم... تظاهرة هندس لها وأعدّ تفاصيلها الدكتور نوفل بنعيسى الأستاذ المحاضر بالمعهد بالتعاون مع الأستاذة سيمة صمود. وما يلفت الانتباه في هذه التظاهرة الاستثنائية إنّ صحّ التعبير الاقبال المكثف من طلبة المعهد عليها رغبة منهم في الاستمتاع ببرنامج التظاهرة والبحث من خلالها عن تفاصيل إبداعية ذات طابع خصوصي... أسوق هذه الملاحظة على اعتبار أن مثل هذه التظاهرات التي تنتظم في دور الثقافة لا يتعدّى مستوى عدد أصابع اليد الواحدة في أكثر الحالات... لكن ما عشناه عشية الخميس بالمعهد العالي للموسيقى يؤكد الاستثناء الذي يخالف القاعدة.
شعر وموسيقى
لئن كان المحور الرئيسي لهذه التظاهرة تكريم الدكتور جلول عزونة رجل السياسة والثقافة، فإن البداية كانت بالشعر مع الشاذلي القرواشي الذي كان وفيا لنزعته التأملية الفكرية الصوفية انطلاقا ممّا يتوفر عليه من ثقافة معرفية هامة ترجمها في معان مستحدثة ومفردات لغوية خاصة به... قدم الشاذلي القرواشي نماذج من كتابات شعرية جمعت بين الملحون والفصيح... كتابات ضمنها بمعاني الجمال في الوجود ولفّها بتفاصيل وجودية عميقة...
وقدم الشاعر مازن الشريف قصائد ذات تلوينات مختلفة أكد من خلالها ما يتوفر عليه من صفاء إبداعي وثراء لغوي... وفسح المجال إثر ذلك الى الموسيقى حيث قدمت الفنانة الواعدة أسماء بن أحمد أغنيتين للشاعر الشاذلي القرواشي وتلحين الدكتور نوفل بنعيسى... الأغنيتان كانتا في مقامين مختلفين وبتلوينات موسيقية لفتت الانتباه وحصدت الاعجاب.
جلول عزونة يتحدث
وتواصلت الرحلة الثقافية مع الدكتور جلول عزونة الذي قدمه الدكتور نوفل بنعيسى بكونه رجل تعليم عال وسياسة وقد حرمونا من كفاءته نتيجة نضاله السياسي في سنوات الجمر. واليوم وقد انقشع الضباب فقد ارتأى المعهد العالي للموسيقى تكريم هذا الرجل الذي له اسهامات عديدة وهامة في المجال الموسيقي... فقد بادر باصدار كتاب حول الموسيقى التونسية هو محور هذا اللقاء.
الكتاب قدمه صاحبه الدكتور جلول عزونة بأنه عبارة عن مجموعة مقالات ودراسات بحثت في تاريخ الموسيقى العربية والشرقية وأساسا التونسية كفرع من هذه الموسيقى وقد اهتم الدكتور جلول عزونة في كتابه هذا على دور الموشحات والأزجال في تطوير الموسيقى في الشكل الشعري وفي الألحان وكيف أن الموسيقى التونسية هي تلاقح تأثيرات عديدة شرقية وعربية.
الكتاب صدر عن دار سحر للنشر سنة 1999 في أكثر من مائة صفحة ثرية بالمعطيات والتعريفات لأعلام في الموسيقي التونسية من شأنها أن توفر المعلومات للدارسين والباحثين في الشأن الموسيقي.
استعادة مؤلف للعقربي
الجزء الاخير من هذه التظاهرة كشف خلاله الدكتور نوفل بنعيسى عن قرب استعادة مؤلف نادر للمسرحي محمد عبد العزيز العقربي. هذا المؤلف متوفر في ليبيا وهو في حوالي 100 صفحة تحت عنوان «نظرات في الأدب والمسرح والموسيقى» ومن المنتظر أن يعيد المعهد العالي للموسيقى اصداره ضمن احتفالات المعهد بمرور ثلاثين سنة على تأسيسه في أكتوبر القادم. كما سيعمل المعهد العالي للموسيقى والكلام للدكتور نوفل بنعيسى على إعادة طبع كتاب المحتفى به في هذه التظاهرة الدكتور جلول عزونة «في الموسيقى التونسية».