عندما تحدّث جيمس بيكر عن ذكرياته في السلطة قال ان الرئىس بوش الأب كان يضع وزارة الخارجية في صدارة المؤسسات الأخرى وكان بيكر الرجل الثاني في الترتيب حتى قبل نائب الرئىس ويقول الرجل الذي جمع العالم كله عام 91 عربا وعجما ضد العراق غداة غزوه الكويت ان الخارجية الامريكية كانت على علم بكل ما يجري ولا يتم شيء بدون علمها سواء كان ذلك في وزارة الدفاع او المخابرات. وبهذا يلمح بيكر الى التخبط الذي كان يحدث في عهد ريغن لأن كل مؤسسة كانت تعمل بمعزل عن الدوائر الأخرى بل وتتعمد التكتم وهو ما أدى الى انفجار فضائع عديدة لم تكن الخارجية على علم بها. وان كان بيكر قصد الفترة السابقة لعهد بوش الأب فإن كلامه موجه ايضا لإدارة بوش الابن وما تعانيه من تصارع وغياب لتحديد المسؤوليات... وقد رأينا وزير الدفاع يوسع صلاحياته من الحديث عن الحرب الى تحديد السياسة الخارجية الامريكية وهو ما أثار عديد المشاكل بسبب رعونة التصريحات وافتقارها لأبسط قواعد الديبلوماسية... ولأول مرة يصبح وزير الخارجية في أمريكا آخر من يعلم ويلهث وراء تصريحات وزير الدفاع ليحاول عبثا اصلاح الدمار الذي احدثته... ولأن رامسفيلد لم يكن سوى رجع الصدى لصقور البيت الابيض (بيرل، وولفويتز، اشكروفت) فإنه كان مسنودا بجماعة تحاصر الرئىس نفسه وتدفع به الى مزيد الانعزال عن بقية العالم والاكتفاء باستعمال العصا... وبالطبع فإننا نشهد اليوم آثار هذه السياسة في العالم، فالحرب على الارهاب اعطت الارهاب توهجا مضاعفا والحرب على العراق كانت على الخرائط نزهة ثم تحولت الى كابوس والحرب على افغانستان وسّعت رقعة العنف الى باكستان والشرق الأقصى... واليوم صار المواطن الأمريكي لا يأمن على نفسه في بلاده او خارج حدود بلاده فهو ضحية ردود الفعل الناقمة على سياسة بلاده وضحية سياسة التخويف التي تمارسها الإدارة الامريكية.. لمزيد تنشيط بورصة الانتخابات الرئاسية القادمة... وها نحن نشهد هذه الأيام انخراما غير مسبوق في الرحلات الجوية من والى الولاياتالمتحدة... وفق تقارير استخباراتية يتبين في ما بعد انها واهية... هل كتب على الامريكي في ظل هذه الإدارة ان لا يغادر بلاده الا في دبابة او طائرة حربية ليضمن السلامة!! هل هذا هو العالم الذي تبشر به الصقور؟ والصقور كما تعرفون لا تحلم الا بعالم ليس فيه إلا الدجاج..