واشنطن «الشروق» محمد دلبح : يصب المسؤول الأمريكي السابق والخبير في قضايا السياسة الخارجية جون نيوهاوس انتقاده اللاذع على الفرص التي أضاعتها حكومة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 عندما وقف معظم العالم مرعوبا مما حدث وعندما عرضت حتى الدول التي لم تكن تحب الولاياتالمتحدة تقليديا مساعدتها. ويجادل نيوهاوس، وهو باحث كبير في مركز معلومات الدفاع بواشنطن، في كتابه «أمريكا الإمبريالية: هجوم بوش على النظام العالمي» الذي يقع في 194 صفحة، بأنه كان بالإمكان إقامة تحالف دائم ضد الإرهاب لصالح الولاياتالمتحدة ولكن بدلا من ذلك فإن بوش بتناقضه الصارخ مع والده تبنى الاتجاهات والآراء التي لا تستند إلى الحقائق وتحامل غير معقول واستراتيجيات أقصى اليمين الأمريكي ممثلا في المحافظين الجدد، والتي اكتسبت للمرة الأولى الهيمنة في السياسة الخارجية في تناقض مع أمن الولاياتالمتحدة طويل المدى. ويجادل نيوهاوس بأن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان جاء إلى السلطة بأفكار ودعم من اليمين الأمريكي ولكن بمساعدة «أناس موهوبين» مثل جيمس بيكر ومايكل ديفر، كان قادرا على فرض «اعتدال كاف على قاعدته السياسية الجوهرية» لكي تعمل في الإطار التقليدي للسياسة الخارجية الأمريكية. وطبقا لنيوهاوس، فإن حكومة بوش الابن هي «أول حكومة وضعت نفسها في أقصى اليمين» وهو موقف يصفه الكاتب بأنه موقف متطرف بدلا من أن يصفه بالموقف المحافظ. ويرى محللون أن كتاب «هجوم بوش على النظام العالمي» عبارة عن «صرخة احتجاج من الأعماق» من ذلك العالم الضائع في واشنطن الذي يحبذ «الدبلوماسية على الإملاءات، والعمل مع الحلفاء بدلا من التصرف الانفرادي والسياسة البراغماتية المعقولة بدلا من الوحشية والفظاعة المتسمة بالطقوس الوعظية أو الدينية أو غيرها والتي أصبحت العلامة المميزة لعلاقات الولاياتالمتحدة الدولية. فرص ضائعة ويرى نيوهاوس في الفصل الأكثر قوة من كتابه أن «الفرص الضائعة (الناتجة عن تركيز بوش على صدام حسين) تتراوح من كوريا الشمالية إلى الصراع العربي الإسرائيلي إلى إيران، وباكستان وروسيا إلى حلفاء أمريكا الأوروبيين التقليديين الذين استبعدناهم بلا أي ضرورة.» فهو يعتقد أن باكستان «البلد الذي سيبرز على الأرجح في السنوات المقبلة كأخطر بلد منفرد في عالم اليوم»، بسبب مزيج متفجر من الأسلحة النووية وعدم الاستقرار السياسي والشبكات الإرهابية والراديكالية الإسلامية، ولكن واشنطن ركزت بدلا من ذلك على الخطر الأقل الذي جاء من بغداد. ونفس الشيء يقال عن كوريا الشمالية، وعلى الرغم من جهود بيونغ يانغ المكشوفة لصنع أسلحة نووية فإن بوش قلل من أهمية ذلك التهديد ليبقي الأمريكيين مركزين أنظارهم على الحملة المحدقة ضد العراق. وفي الوقت نفسه فإن نيوهاوس يجادل بأن حكومة بوش أضاعت فرصة إعادة العلاقات مع إيران والتي يعطيها رأسمالها الثقافي والاجتماعي الفرصة الكامنة لإرساء الاستقرار الإقليمي. وبعد أحداث 11 سبتمبر أيدت الحكومة الإيرانية-رغم أن ذلك التأييد كان تجريبيا- الحملة الأمريكية على أفغانستان. وكان المعتدلون في ايران يكسبون قوة ضد رجال الدين الراديكاليين. ومع ذلك، فإن بوش هاجم إيران ووصفها وجعلها عضوا في «محور الشر» قاطعا الطريق على الإصلاحيين ومدمرا الفرص من أجل التقاريب بين واشنطن وطهران. وهذه الفرص المضاعة هي الأكثر إزعاجا مقابل الأضرار التي ألحقها بوش بحلف شمال الأطلسي، وبالابتعاد الذي وجد بين الولاياتالمتحدة وشركائها الرئيسيين في أوروبا قبل الحرب فإنه لم يعرف بعد ما إذا كان الحلف سيصمد أمام التصدع الاستراتيجي الذي انفتح عبر الأطلسي. ويميل نيوهاوس إلى وصف بوش ومستشاريه --باستثناء وزير الخارجية كولن باول-بأنهم محافظون جدد من الصقور. ويعتبر نيوهاوس أن باول أفضل الناس الطيبين، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه تم تهميشه ووزارته بينما اليمينيون المتطرفون الموجودون في وزارة الدفاع (البنتاغون) ومكتب نائب الرئيس ديك تشيني سرقوا سياسة أمريكا الخارجية من ممثليها التقليديين. ويؤكد نيوهاوس أن صناع السياسة الخارجيين الجدد قد أفسدوا المخابرات من أجل أن يصلوا إلى أهدافهم وأبلغوها «ما يريدونها أن تكون عليه وليس كما هي.» وهو يرى أنه في هذا العالم الجديد لا يمكن أن يكون هناك حلول وسطى أو وجهات نظر مختلفة بين الدول والشعوب. ومع أوائل شهر مارس 2003 «وصف بوش الدول الأخرى بأنها إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين، 99 مرة وذلك منذ توليه منصبه.» ويتتبع نيوهاوس محاولة اليمين الاستحواذ على السلطة في عهد حكومة الرئيس الأسبق جيرالد فورد فيما وصف بمذبحة الهلوين لعام 1975 عندما كان دونالد رامسفيلد رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض وعندما كان تشيني نائبا له، وقد قام رامسفيلد بمناورات لإخراج وزير الخارجية هنري كيسنجر من دوره المزدوج كمستشار للأمن القومي أيضا وعمل على طرد وزير الدفاع جيمس شليسنجر من منصبه لاستبداله برامسفيلد نفسه مع ترقية تشيني إلى رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض. وقد تم إبلاغ نائب الرئيس آنذاك نيلسون روكيفيلر بأنه لن يكون على قائمة الترشيح عندما خاض فورد انتخابات الرئاسة في عام 1976. ولم يكن رامسفيلد مهتما في جهود كيسنجر للحد من الأسلحة النووية، لقد أراد موقفا أكثر تصلبا، كما أن اليمين لم يرد أن يرتبط المعتدلون بفرع روكيفيلر في الحزب. وخسر فورد الانتخابات، ولكن الجناح اليميني حاول مرة أخرى خلال حكومة جورج بوش الأب عن طريق مبدأ مقترح «للعمل معا» بعد الحرب التي قادتها الولاياتالمتحدة على العراق في عام 1991 قدمه بول وولفويتز، نائب رامسفيلد اليوم، ولويس ليبي رئيس موظفي تشيني الآن. والمبدأ الجديد لا يتحدث فقط عن بقاء الولاياتالمتحدة الرقم واحد في العالم، بل يتحدث أيضا عن تدمير أي دولة قد تتحدى الولاياتالمتحدة في المستقبل. وهذا يعني الهجوم الاستباقي بدون أي فائدة من الحلفاء وبدون موافقة الأممالمتحدة وبالتأكيد على القوة العسكرية الغاشمة بدلا من الاحتواء والإقناع والدبلوماسية. ولم يكن هذا مبدأ يمكن أن يتقبله كبار المسؤولين في حكومة بوش، ولكن بعد 11 سبتمبر وفي حكومة بوش الابن، فإن فرصتها قد حانت، وكان رامسفيلد وآخرون يعملون من أجل هجوم ضد العراق قبل أفغانستان وهو اقتراح رفضه بوش بحكمة، ولكن من الواضح الآن أنه بالنسبة لحكومة بوش فإن تغيير الأنظمة والذي ارتبط على الدوام بالإعلان عن نزع سلاح العراق قد افتضح الآن بتحريف المعلومات الاستخبارية، وأن من أحد أحلام اليمينين المتطرفين الجدد موجة ديمقراطية تجتاح الشرق الأوسط وتؤدي إلى زعزعة استقرار أنظمة الحكم الملكية القديمة. وإن نفوذ تكتل الليكود اليميني في إسرائيل على كثيرين في حكومة بوش هو المقولة الأساسية في كتاب نيوهاوس، فهو يقول «إن مجموعة مترابطة معا في البنتاغون قد عملت بالفعل كامتداد لزعامة الليكود وقد أخافت الحكومات الأخرى بالحديث عن إعادة رسم الشرق الأوسط وتحويل المنطقة إلى منطقة نفوذ إدارية أمريكية-إسرائيلية مشتركة.» وقد ترجم ذلك إلى سياسة تغيير النظام وكان العراق هو المؤهل لذلك. مسار جديد وقد حذر كثيرون من داخل حكومة بوش وخارجها من أن الديمقراطية لن تأتي بسهولة إلى الأنظمة العربية وإن صعوبات الحكومة الأمريكية في العراق ينبغي أن توضح هذه المسالة ولكن اليمين الحقيقي في حكومة بوش يريد أن يعتقد خلاف ذلك. والخطر يكمن في كل ذلك، وكما يقول عاموس إيلون عن إسرائيل، وكما يقول نيوهاوس عن الولاياتالمتحدة أنه في الوقت الذي تنمو فيه القوة العسكرية فإن مجمل الأمن قد يتلاشى وذلك لسبب واحد فقط هو أن الأولويات أصبحت غير واقعية جدا وغير متوازنة جدا. وفي الوقت الذي تزداد فيه أعباء الاحتلال في العراق فإن الكثير من الأمريكيين يتساءلون ما إذا كانت حكومتهم قد خرجت عن المسار الصحيح. وإن لائحة الاتهام التي يوجهها كتاب «أمريكا الإمبريالية: هجوم بوش على النظام العالمي» للسياسة الخارجية للرئيس بوش يظهر في لحظة مناسبة ويقدم رواية عن كيفية قيام حكومة بوش بعمل الكثير من أجل تعريض الولاياتالمتحدة للخطر بدلا من تعزيز أمنها. ويقول نيوهاوس إن مبدأ الهجوم الاستباقي يعرقل الرؤية الديمقراطية بجعل قرارات الحرب والسلام مرتكزة على معلومات استخبارية ليست مفتوحة للتمحيص الشعبي العلني، وإن العديد من التقارير الاستخبارية التي أعلنها بوش لتبرير الحرب على العراق كانت غير مؤكدة وغامضة وتدعو إلى الشك في الاعتماد عليها. ويشير نيوهاوس أيضا إلى رغبة بوش الجامحة من أجل الحرب الاستباقية تغطي على الأولويات وتمتص موارد الثروة لإعادة بناء العراق والتي ينبغي أن تصرف على مواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل. إن مبدا التفوق أو الهيمنة الأمريكية ينطوي بالمثل على مشاكل كثيرة، وتمتلك الولاياتالمتحدة بالفعل سيطرة عسكرية ليس لها منافس، ولكن مبالغة الرئيس بوش في «دور واستخدام القوة العسكرية الغاشمة قد غذى موقفه المتعجرف والمزدري للحلفاء، وإن الإحساس الخادع بالقدرة الكلية قد جعل أيضا حكومة بوش تقلل من أهمية الدبلوماسية مما أدى إلى مواقف لا تقبل الحلول الوسطى وكلفت الولاياتالمتحدة هذا القدر الكبير من حسن النية في الخارج. ويلاحظ نيوهاوس أن «مكانة الولاياتالمتحدة في الخارج لن تبدأ بالانتعاش إلا «عندما تخفف واشنطن من أسلوبها تجاه العالم بأن تصبح أقل انفرادية وأقل تهديدا وأكثر ميلا للعمل باهتمام تجاه وجهات نظر الآخرين.» ويتناول الكتاب بالإضافة إلى مسألة المبدأ المواقف العملية ذاكرا التأثيرات غير المرحب بها لتجاوزات بوش المبدئية. وأن النقد الموجه إليه بشأن الحرب على العراق يرتكز على أساس أن بوش تنبأ بعمل عسكري على أساس افتراضات خاطئة أفشل دبلوماسية ما قبل الحرب في الأممالمتحدة بممارسات خاطئة وفشل في التحضير لإعادة إعمار العراق بعد الحرب. وجاء الديمقراطيون بانتقاداتهم عندما يقول هو إنهم «خائفون ومترددون في مهاجمة رئيس جعل ببعض المهارة، من الأمن القومي المسالة التي تحظى بالاهتمام التام.» ويقول نيوهاوس في مقابلة معه أن العالم ليس مستعدا حاليا لسياسة بوش لتغيير الأنظمة وخاصة فيما يتعلق بكوريا الشمالية مشيرا إلى أن الحكومات في العالم خلال السنوات الخمس الماضية تحركت من يسار الوسط إلى يمين الوسط، فيما تحركت الحكومة الأمريكية في عهد بوش من الوسط إلى اليمين المتطرف خلافا لما كان عليه الأمر تقليديا من وجود رئيس جمهوري معتدل مع كونغرس ديمقراطي، أو رئيس ديمقراطي معتدل مع كونغرس جمهوري، والآن فإن هناك رئيسا جمهوريا متطرفا مع كونغرس تسيطر عليه مجموعة من الجمهوريين المتطرفين.