الطلاق هو أبغض الحلال عند الله وهو قنبلة موقوتة تهدد الكيان الاسري الذي يعتبر نواة المجتمع، فانهيار العلاقات الزوجية يعني تشتت الاسر وهدم كيانها وضياع أفرادها... وبنظرة عابرة على الواقع نكتشف أن جميع أطراف النزاعات الاسرية المدمرة خاسرون، بداية من ازوج الذي سيهجر العش الذي ألفه والزوجة التي يسكن اليها... مرورا بالزوجة التي ستواجه نظرة المجتمع القاسية التي لا ترحم لكونها مطلقة، وانتهاء بالاطفال الضحايا الضائعين في الات الطلاق الذين يدفعون ثمن انهيار البيت العائلي، فالطلاق قد يدفع بالفرد الى هاوية تعصف بشخصيته أو ندم يمزق داخله أو مصير مجهول يعصف به. في البداية نشير الى أن لفظ «الطلاق» لغويا مأخوذ عن «الطلاق» وهو «الارسال» و»الترك» وفي الشرع يعني حل رابطة الزواج وإنهاء العلاقة الزوجية، والطلاق في الاسلام إجراء ممجوج ومرفوض إلا في حالات الضرورة، ذلك أن الطلاق كفر بنعمة الله سبحانه والزواج نعمة والكفر بالنعمة حرام. وبرغم ان كافة الشرائع السماوية حددت لكلا الزوجين حقوقه وواجباته إلا أن البشر لا يلتزمون بما لهم وما عليهم لاختلاف طباعهم وسلوكهم، لكن الخطير أن هذا الاختلاف ينعكس على مصير أفراد الاسرة من زوج وزوجة وأطفال. ويوضح العلماء أن الزوجة تعاني من ضغط نفسي قوي بعد مرحلة الانفصال نتيحة عدد من العوامل المترابطة التي لا يمكن الفصل بينهما، منها: * الطلاق الذي يقع بعد فترة طويلة من الزواج، يضع المرأة المطلقة في وضع يسوده الشعور بالقسوة والضياع. * السن عند الطلاق: فكلما كان الطلاق أقرب لسن الاربعين، كانت الضغوط النفسية عليها أشد وأقسى. * ظروف الطلاق: فالطلاق المفاجئ الذي يتم بمبادرة من الزوج ومعارضة من الزوجة له أثر نفسي شديد الوطأة على المرأة. * الحالة المادية والتعليمية للزوجة: فلا شك أن للطلاق تبعات مادية كبيرة وضغوطا حياتية شبه يومية. فاذا ما كانت الزوجة في سعة مادية ولديها مؤهل علمي يعينها على العمل، كان ذلك سندا لها في مواجهة تلك الضغوط الناجمة عن الطلاق أما اذا كانت في وضع مادي محدود وليس لديها مؤهل تعتمد عليه فإن الضغوط تزداد عليها. * آلام صامتة المطلقة عادة ما تحارب كثيرا من أجل إنقاذ حياتها الزوجية، قبل أن يحدث الطلاق وعندما تعييها الحيلة تلجأ الى الانفصال هذا القرار يجعلها تشعر بالمرارة والحزن لينعكس ذلك على حالتها النفسية وحتى الجسدية. «الشروق» التقت ببعض المطلقات وتحدثت اليهن عن الاسباب التي أدت بهن الى الطلاق وأن يروين تفاصيل عن حياتهن الحالية. السيدة س ب: بدت حالتها مزرية مؤكدة انتمائها لطبقة محدودة الدخل فهي لا عمل لها وفي كفالتها ثلاثة أطفال وترى السيدة س ب أن طليقها السكّير كان يبالغ في إهمالها وإهمال أبنائه كما يعمل على إتلاف كل ما يملكه من أجل عربدته وسكره. وتواصل سلوك الزوج على الوتيرة نفسها طيلة عشرة أعوام عندها فاض الكأس وطلبت زوجته الطلاق لترحل بأبنائها في اتجاه عائلتها. السيدة خ م مطلقة مند خمس سنوات تقول أنها تجاوزت الازمة النفسية التي تعرضت اليها إثر قرار زوجها لانفصال عنها بدعوى أنها أهملته ولم تعد تقوم بواجباتها نحوه. وتضيف السيدة خ م أن كثرة المشاغل وجريها وراء لقمة العيش لم تترك لها الفرصة للاهتمام بنفسها واعتقدت أن حرصها على مساعدة زوجها على ضمان العيش الكريم لها ولعائلتها سيجعلها تكبر في عين زوجها إلا أن ما حصل كان العكس وتوضح ذلك عندما تزوج زوجها من فتاة في عمر بناته. * غيرة عمياء تشير دراسة أقيمت باحدى الدور العربية أن الغيرة والشك تسببا في طلاق 47 من أفراد العينة. فسبب الغيرة العمياء التي اتصف بها طليق السيدة زينة كان تشتت عائلتهما. وتروي هذه السيدة أو زوجها الذي يكبرها بعدة سنوات أصبح يحصي خطواتها ولفتاتها ولا يتوانى عن ضربها وتمريغها في الوحل إن هي تحدثت مع أحد الجيران أو الاقارب وتقول زينة انها حاولت أن تغير من تصرفات زوجها نحوها، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل الذريع فلم تجد بدّا من طلب الطلاق وكان لها ذلك. * اختلاف الثقافة أما السيدة ح ه إطار بنكي عانت كثيرا بسبب عقلية زوجها فبعد زواجهما اكتشفت أن الفارق الثقافي بينهما كبير جدا فهو من المحافظين جدا ومن الذين ينظرون الى المرأة نظرة دونية ولا يعترف بما يسمى بأسلوب الحوار والنقاش وانما يرغب في إعطاء الاوامر ولا ينتظر إلا تنفيذها والا تحولت المرأة الى طور العصيان والتمرد عليه عندها يرعد ويزبد ويتلفظ بكلمات سوقية ولا أخلاقية وقد يلجأ أحيانا للضرب والشتم كي يغطي النقص الفادح في ثقافته كإنسان متحضر ومتعلّم الشيء نفسه واجهته السيدة نفيسة 35 سنة وأم لطفلة عمرها سبع سنوات التي ارتبطت بزوجها على الطريقة التقليدية. وتقر أن الفارق في المستوى التعليمي أدى الى فشل زواجها منه باعتبار أنها متحصلة على الاستاذية في حين أن زوجها لم يتحصل على الباكالوريا هذا الفارق بينهما وقف حائلا أمام أي فرصة للتفاهم بينهما بالاضافة الى أن زوجها كان يشعر بالنقص أمامها وهو ما جعلها تحترس من كل كلمة تقولها وبالطبع تتجنب الحديث عن مرحلة الجامعة وأصدقاء الجامعة، هذا الوضع الخانق الذي عاشته السيدة نفيسة دفعها دفعا الى الخروج من جحيم زوجها المتعنت ومواجهة وضع المرأة المطلقة وما ينتظرها من معاملة قاسية من طرف المجتمع الذي لا يرحم المطلقات أبدا. وفي الختام ليس في وسعنا في هذا المقام إلا أن نهمس لكل امرأة ورجل بأن الخطأ في البداية يأتي من سوء الاختيار فيجب التدقيق في صفات شريك العمر، والاتفاق على نهج ثابت للحياة المقبلة. فاذا تم ذلك، فعليكما تحمل حياتكما بحلوها ومرها، فالزواج برغم مشكلاته ومصاعبه هو أفضل طرق الحياة وإرضاها للنفس.