كثرت منذ أول أمس التعاليق وردود الفعل في الشارع التونسي وعلى مواقع الأنترنات تجاه أمر اتخذه رئيس الجمهورية المؤقت يوم 21 جويلية 2011 وأعلن بمقتضاه حالة الطوارئ بكامل أنحاء الجمهورية بداية من غرة أوت 2011. اعتبرعدد من المواطنين أن إعلان حالة الطوارئ في هذا الوقت بالذات أمر يدعو إلى الغرابة ومنهم من ذهب حد القول أنه مؤشر لارتفاع حدة المراقبة الأمنية والعسكرية خلال الفترة القادمة التي ستتزامن مع الاستعداد لموعد الانتخابات . وأطنب آخرون على الموقع الاجتماعي» فايس بوك» في التحاليل ، واعتبروا أن تونس ستعيش وضعا استثنائيا في الفترة القادمة . ذعر غير مبرر أدت هذه القراءات والتحاليل المختلفة إلى إصابة المواطنين بحالة من الذعر والخوف غير المبرران وإلى الاعتقاد بأننا سنعيش من هنا فصاعدا حالة استثنائية قد تؤدي إلى ممارسة ضغوطات عديدة على المواطن وتهدد استقراره وحياته الطبيعية وحريته. وبالتثبت في المسألة اتضح أن كل ما قيل حول هذا الموضوع هو تهويل ومبالغة في قراءة الأمر الرئاسي الصادر مؤخرا عن رئيس الجمهورية المؤقت . ذلك أن حالة الطوارئ ليست بجديدة عنا منذ 14 جانفي 2011 حيث سبق إعلانها مرة أولى يوم 15 جانفي بمقتضى أمر أصدره رئيس الجمهورية المؤقت (عدد 184) ثم مرة ثانية يوم 14 فيفري بمقتضى أمر ثان( عدد 185 )، والذي نص آنذاك على التمديد في حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية إلى يوم 31 جويلية 2011. كما سبق أن أعلنت حالة الطوارئ لأول مرة في تونس يوم 26 جانفي 1978 . وبما أن البلاد مازالت إلى حد الآن في حالة استثنائية على الصعيدين السياسي والأمني، فقد يكون ذلك دفع برئيس الجمهورية المؤقت إلى اتخاذ أمر ثالث لتمديد حالة الطوارئ مرة أخرى ، وفق ما ذكره مصدر مختص . منذ 1978 يجدر التذكير أن إعلان حالة الطوارئ يخضع إلى أمر صادر في 26 جانفي 1978 و نص على أنه « يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام و إما في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة « . و يعطي الإعلان عن حالة الطوارئ للوالي عدة صلاحيات منها منع جولان الأشخاص والعربات ومنع كل إضراب أو صد عن العمل وتنظيم إقامة الأشخاص وتحجير إقامة كل شخص يحاول بأي طريقة كانت عرقلة نشاط السلط العمومية .. كما يعطي لوزير الداخلية صلاحية وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية والغلق المؤقت لقاعات العروض ومحلات بيع المشروبات وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها إضافة إلى تحجير الاجتماعات ومنع الجولان وتفتيش المحلات ليلا نهارا ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية و المسرحية.ونص الأمر على أن مخالفة هذه الأحكام تعرض للعقوبة بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين وبخطية من 60 د. إلى 2500د. غموض ما يعاب على أمر 21 جويلية الأخير هو عدم إعلانه صراحة عن «تمديد حالة الطوارئ» بل جاء فيه «تعلن حالة الطوارئ» وهو ما يدعو إلى مزيد من الشكوك والتأويلات حول طبيعة هذا الإجراء و جعل كثيرين يسقطون في الخطأ ويذهب في اعتقادهم أن الإجراء استثنائي وجديد وأن البلاد ستعيش بالتالي وضعا استثنائيا بداية من 1 أوت وهو ما كان بالإمكان تفاديه لو كان الأمر أكثر وضوحا حتى لا يصاب المواطنين بالذعر والبلبلة والخوف. كما أن هذا الأمر الأخير لم يعلن عن تحديد لحالة الطوارئ المعلنة مثلما فعل أمر 14 فيفري عندما حددها بموعد 31 جويلية ، وهو ما يدعو أيضا إلى الغرابة والتشكيك ويعطي الصلاحية المطلقة للحكومة المؤقتة لتطبيق هذا الإجراء دون تحديد للمدة ، وهذا ما يزيد أيضا في ادخال حالة من الذعر والخوف والشكوك لدى التونسيين. وللإشارة فإن أمر 1978 نص على انه « تعلن حالة الطوارئ لمدة أقصاها 30 يوما ...ولا يمكن التمديد في حالة الطوارئ إلا بأمر آخر». غير أن الأوامر الثلاثة التي صدرت إلى حد الآن عن رئيس الجمهورية المؤقت للإعلان عن حالة الطوارئ (في 15 جانفي و14 فيفري و21 جويلية 2011 ) ، شأنها شأن أمر 26 جانفي 1978 ، لم تحدد مدة الطوارئ بشهر وفق ما يقتضيه الأمر المنظم للطوارئ بل تركتها مفتوحة باستثناء أمر 14 فيفري الذي حددها ب 31 جويلية (أي بحوالي 5 أشهر ونصف) ، وهو ما يزيد في درجة الغموض حول هذا الإجراء الاستثنائي.