بقلم: الشاعر أحمد كريستو تضحيات العائلة لا يجب ان تذهب سدى ولا تذكر اذ أن «لولا البذرة لما كانت النبتة»، من منا لم يحرم نفسه من ضروريات (أدوية، لباس،...) ليوفر المال اللازم لأبنائه الذين يدرسون بالجامعات وأحيانا في مدن بعيدة عن مقر الاقامة؟ كم من معلم وموظف انتقل بالعمل الى العاصمة تونس رغم راحته في العمل والسكن وترك مصالحه وعائلته وأصدقاءه وجاء الى العاصمة ليعمل في ظروف غير عادية بالنسبة اليه ووضع جديد بالنسبة الى كل بقية أفراد العائلة والزوجة خاصة، لماذا كل هذا؟ ليكون قرب ابنه أو ابنته التي ستزاول تعليمها بالجامعة... بتونس العاصمة، تضحية وما لها من تضحية تقدمها كل العائلة من أجل أحد أفرادها ليتمكن من مواصلة تعليمه الجامعي في أحسن الظروف. هناك حتى من أرسل بابنه أو ابنته الى الخارج لمواصلة دراسته الجامعية على نفقته الخاصة وهو موظف عادي، كل ذلك على حساب بقية أفراد العائلة، التاريخ يصنع والعائلات التونسية صنعت مرة أخرى التاريخ، أقول مرة أخرى، لأن، الحبيب بورقيبة ومحمود الماطري والمنجي سليم وعلي البلهوان وفرحات حشاد والباهي الأدغم والطيب المهيري وغيرهم رحمهم الله لم يكونوا من العائلات التونسية الميسورة بل كانوا من عامة الشعب وضحوا وضحت عائلاتهم أكثر منهم ليواصلوا دراستهم ليصلوا الى ما وصلوا اليه وكان لها الفضل الكبير في تحقيق ما حققوه وهو ليس بالأمر الهين: استقلال البلاد وطرد المستعمر وبناء دولة تونسية بدون وصاية ولا حماية، أطاحوا ب«غولين» في نفس الوقت: نظام الحماية المستعمر ونظام البايات الأتراك الغرباء عن تونس وكلا النظامين كان يمتص دماء التونسيين، وظهرت الجمهورية والبرلمان التونسي، شعار مظاهرات 1937 وسببا من أسباب مظاهرات 9 أفريل 1938 وها هو شباب الانترنت اليوم يصنع 14 جانفي 2011 ويخلص تونس من الدكتاتورية الى الأبد. العلم نور والصبر صفة مدح بها الله سبحانه وتعالى المؤمنين ولو لا صبر الكبار لما نجح الصغار ولولا وقوف الكبار مع الشباب لما كان للثورة أن تنجح ولما كان لهذا المقال أن ينشر على الصحف. الشعب التونسي كله كان وراء هذه الثورة المباركة لأنه لولا الماضي لما كان الحاضر حتى من قام بأعمال غير وطنية، اذ لولا الظلم والقهر، على ماذا كنا سنثور وماذا كنا سنغير؟ ونحن مسلمون، قدرنا الايمان بما جاء في القرآن الكريم: بسم الله الرحمان الرحيم «قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون»، ومن حسن حظنا ولطف الله بنا أنه يلطف بنا في كل مرة، ففي ثورة الاستقلال وحرب الجلاء وثورة 14 جانفي 2011، كم كانت الخسائر البشرية والمادية مقارنة بالغير؟ تذكروا أن الشعب الجزائري الشقيق دفع ثمن حريته أكثر من مليون شهيد من خيرة أبنائه وهو مازال يدفع الى الآن والشعب الليبي الذي ضرب المتظاهرون في بلدهم بالطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة مخلفة آلاف الشهداء والشعب المصري الذي دفع في حرب التحرير ثم في ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر وها هي مصر دفعت ومازالت تدفع في ثورة الحرية والكل نسخ من الثورة التونسية والبقية تأتي قريبا ان شاء الله، فحمدا لك يا رب على لطفك بنا ولا يجب أن نتواكل بل اليقظة اليقظة وحذار من الطامعين من الذين يريدون استغلال الظرف للظهور والبروز طمعا في المناصب في المستقبل القريب لأنهم لا يريدون تحمل المسؤولية الآن بسبب الظروف الصعبة وأن كل من سيتولى مسؤولية سوف «يحرق» سياسيا لا بالنار بل بالانتقادات فينتهي مستقبله السياسي هنا ويأخذ «النبارة» المشعل بعد العاصفة ليعملوا في ظروف مريحة وجو ملائم وربما ينجحون في مهامهم ويصبحون أبطالا، تلك هي سنة الحياة، لولا الماضي لما كان الحاضر ولولا الحاضر لما يكون المستقبل... يبقى، هل انتهى دور الكبار (الآباء والأمهات) بقيام الثورة؟ لا أعتقد ذلك وما نعيشه من أحداث تدعم وجهة نظري حيث أن عمل الكبار أصبح ضرورة وشرطا أساسيا لانجاح الثورة، فالعائلة أصبحت مطالبة الآن بالمحافظة على أبنائها القصر والشباب خاصة من أخطار هذه الفترة الانتقالية التي يسودها الغموض السياسي حيث يدعي كل واحد الوطنية وأنه يملك الحل الأنسب للخروج بالبلاد مما هي فيه الآن وكأنه بعصاه السحرية سيحول رمال الصحراء ذهبا أو مياه نهر مجردة بترولا ليمتع كل مستحق بما يتمناه من شغل وراتب محترم جدا واحداث مواطن شغل تستوعب كل العاطلين بمن فيهم أصحاب الشهائد العليا الشيء الذي عجزت عنه أكبر الدول المصنعة في العالم والتي يعاني شبابها من البطالة التي طالت مدتها مثل اسبانيا والبرتغال وحتى فرنسا وألمانيا وغيرها... قلت هذه الوعود ينساق وراءها شبابنا وقد يقومون بأعمال هدامة للحاضر يندمون عليها في المستقبل مثل الهجرة غير الشرعية وما تشكله من أخطار أثناء السفر وما بعد الوصول الى جزيرة لمبادوزا، يجب على الكبار تبصير الشباب بهذه المخاطر واقناعهم بأن المخاطرة بالنفس يجب ان لا تكون تهورا وأن الظروف العالمية متشابهة تقريبا في كل البلدان والصبر واعطاء الحكومة فرصة لتحسين الظروف ربما يكون أحسن من مخاطرة غير مأمونة النتائج، أما بالنسبة الى القصر منهم والذين نراهم في كل الاعتصامات والمظاهرات يجرون هنا وهناك ثم نسمع بسقوط أحدهم شهيدا برصاصة مقصودة أو «طائشة»، ليس مهما كيف استشهد بقدر ما هو أهم من ذلك: سقوط شهيد ما كان له ان يموت هي مسؤولية الوالدين في تواجد ذلك الطفل في ذلك المكان... ماذا تراه كان يفعل هناك؟ هل يفهم في السياسة وخرج من أجل المطالبة بمطالب يفهمها ويريد تحقيقها؟ هل خرج احتجاجا على أحداث وقعت يعيها ويعي ما قد يترتب عنها؟ هل هو دوره أم كان عليه ان ينتظر نضجه البدني والفكري ليشارك بكل حواسه في مثل هذه المسيرات والتظاهرات فيعيش طفولته ثم يعيش مراهقته فكهولته فشيخوخته بصفة عادية... الطفل هو طفل والمسؤول عنه أمام الله وأمام القانون والداه لهذا قلت إن دور الكبار هو دور أساسي في الفترة ما بعد الثورة لأن أطفالنا ذخر للوطن في المستقبل وهم أيضا، بلغة الاقتصاد، استثمار مستقبلي يجب المحافظة عليه من التلف، أطفالنا اليوم هم رجال الغد الذين سيأخذون المشعل من شباب اليوم. لا يفيد بكاء الأم ولا الأب ولا كل الأقارب والجيران والأصدقاء اذا وقعت الكارثة، لن يرجع كل ذلك الحياة الى جثة صغيرة هامدة تقول في صمت أليم: أنا ضحية التسيب والإهمال. لماذا نريد من أطفالنا أن ينضجوا قبل أوانهم؟ أنحن في حاجة إليهم ليدعموا ما يقوم به الكبار والشباب؟ القانون يمنع تشغيل الأطفال ونحن نزج بهم في أتون المسيرات والاعتصامات وما قد تؤول اليه من مصادمات وعنف هم غير مؤهلين لمواجهته. دعوة الى الآباء والأمهات للمحافظة على أطفالنا، مستقبل هذه البلاد، سالمين معافين من كل مكروه كما لكل مقام مقال، لكل مرحلة من تاريخ البلاد رجال. ..... حرارة الحب مقياس العاشق والشهداء ضحايا عشق بلدي يفدونك في النائبات بكل غال عندهم وهل للإنسان أغلى من الروح في الجسد يهبها طوعا في سبيلك غير عابئ بما يمكن أن يحصل في المستقبل