تواجه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هذه الأيام جملة من الاتهامات بسبب الحملة الاشهارية «وقيت باش تقيّد» في جانبها المالي. قال حقوقيون إن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تعاملت مع ملف الحملة الاشهارية «وقيّت باش تقيّد» بطريقة مشكوك في مصداقيتها في ما يتعلق بالجوانب المادية وبإسناد الصفقات. واعتبرت هذه المواقف أن مسؤولي الهيئة أسندوا الصفقات الخاصة بإعداد الحملة الاشهارية الى مقرّبين من رئيس الهيئة ومن أعضائها دون المرور بإجراءات الاختيار الموضوعي والشفاف التي يتم العمل بها عادة في كل الهياكل والمؤسسات التي تستعمل المال العمومي، ودون مراقبة من إدارة المصاريف العمومية ومن دائرة المحاسبات. حملة بدا واضحا للجميع خلال الفترة الأخيرة أن الحملة الاشهارية الخاصة بالتسجيل لانتخابات المجلس التأسيسي كانت من «الحجم الكبير» ماديّا حيث اعتمدت على عدة وسائل على غرار الومضات التلفزية والاذاعية والاشهار عبر الصحف والمجلات الورقية والالكترونية والمعلقات الخارجية في الشوارع الى جانب المطويات. والملصقات التي يقع توزيعها على المواطنين كما كانت الحملة، منذ اطلاقها مطلع جويلية الماضي متواصلة كامل الأيام وعلى مدار الساعة بلا انقطاع... وهو ما يعني أن المبلغ المالي المخصّص للحملة كان ضخما نسبيّا، وهذا طبيعي بما أن الميزانية المخصّصة لهيئة الانتخابات تعدّ بالمليارات وذلك في سبيل إنجاح العملية الانتخابية الديمقراطية الأولى من نوعها في تونس. فرنسي صديق من جملة ما تمّ تداوله مؤخرا حول الصفقات الخاصة بالحملة الاشهارية هو أنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أسندت صفقة إعداد هذه الحملة (التصوير الطباعة) وتوزيعها على مختلف الدعائم الاشهارية الى وكالة اشهار، المسؤول (أو المسؤولين) فيها قريب من رئيس الهيئة. وحسب ما حصلنا عليه من معطيات فإن وكالة الاشهار المذكورة هي تونسية غير أن المسؤول الأول فيها فرنسي الجنسية، وهو نتاج لعلاقات الجندوبي (وهو فرنسي الجنسية أيضا) في أوروبا وتحديدا بفرنسا طيلة السنوات الماضية... وهذا ما لم تنفيه مصادر من هيئة الجندوبي. ورغم عدم تمكننا من الحصول على المبلغ الكامل لهذه الصفقة المخصّص لوكالة الاشهار المذكورة بعنوان إعداد وتوزيع الحملة الاشهارية، إلاّ أن المتأكد هو أنه مبلغ ضخم يعدّ بمئات الآلاف من الدينارات. جمعية القانون الدستوري إلى جانب الحملة الاشهارية «وقيّت باش تقيّد» توجد ومضة إشهارية أخرى تهم التعريف بالدستور وبالسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وبالانتخابات. وحول هذه الومضة قالت حقوقية إن الشكوك تحوم حولها وأضافت أن من قام بإعدادها هي الجمعية التونسية للقانون الدستوري التي يرأسها أحد أصدقاء كمال الجندوبي وهو أيضا رئيس لجنة الانتخابات بهيئة الخبراء لدى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة... ويبدو أنه وقع تخصيص مبلغ مالي هام لجمعية القانون الدستوري ورئيسها لقاء هذه المساهمة في اعداد الومضة المذكورة... اختيار الثابت هو أن اختيار الأطراف المتعاونة مع هيئة الانتخابات في مجال الحملة الاشهارية لم يتم بالطريقة المعروفة والمتداولة وهي الاختيار عن طريق طلبات عروض، حتى يقع ضمان أقصى ما يمكن من شفافية ومصداقية. وهذا ما أكده ل«الشروق» السيد محمد الفاضل محفوظ عضو الهيئة المستقلة للانتخابات بالقول إن اختيار الأطراف المتعاونة مع الهيئة في مجال الحملة الاشهارية (الوكالات الاشهارية وسائل الاعلام المعتمدة اعداد النصوص) تمّ بناء على استشارات وعمليات اختيار قامت بها الهيئة بمفردها وحاولت في ذلك كلّه اختيار الأفضل من ناحية الجودة والسعر وخاصة سرعة الانجاز، بما أن الهيئة كانت أمام رهان كبير وهو التغلب على ضغط الوقت. وأضاف محدثنا أن ما لا يقل عن 40 وكالة اشهار عبرت عن رغبتها في التعاون معنا في مجال الحملة الاشهارية وكان على الهيئة أن تحسم بسرعة وتختار إحداها دون أن تكون هناك نيّة لاختيار مقرّب من رئيس الهيئة أو من أحد أعضائها... وكذلك الشأن بالنسبة إلى بقية الصفقات الخاصة بهذه الحملة الاشهارية. مستقلة... ولا تخضع لقانون الصفقات أكد محمد الفاضل محفوظ أن الهيئة تعمل في اطار الشفافية في ما يتعلق بالتصرف في الميزانية المخصصة لها حيث ينصّ مرسوم 18 أفريل الذي أحدثها على أن «للهيئة ميزانية خاصة وتحمل مصاريفها على حساب مفتوح باسمها، يتولى رئيس الهيئة إدارته بمراقبة عضوين من دائرة المحاسبات وخبير محاسب». كما أن كل العمليات المالية التي تتولى الهيئة القيام بها تخضع الى الرقابة اللاحقة لدائرة المحاسبات التي تتولى نشر تقرير في الغرض بالرائد الرسمي. وكل هذا يعني حسب محدّثنا أن الهيئة لا تتصرف بكل حرية في «المال العمومي» المخصّص لها بل تخضع للرقابة، غير أنها تتمتع بالاستقلالية المالية والادارية التي تخوّل لها حرية اختيار من تشاء من المزوّدين والمتعاملين معها في شتى الشراءات والصفقات. ومن جهة أخرى، قال محفوظ إن نفقات الهيئة من الرقابة المسبقة للمصاريف العمومية ومن الأحكام المتعلقة بالصفقات العمومية وفق أحكام مرسوم 18 أفريل، لذلك لم يقع إعلان أي طلب عروض باسم الهيئة منذ بداية عملها بما في ذلك الخاص بالحملة الاشهارية.