ماذا يُمكن أن تتذكّر عن المرحوم صالح بن يوسف..زوجها الّذي أخذته السياسة والنضال الوطني طويلا وأدّت به إلى أن يكون في فوهة الاغتيال والتغييب...وماذا يُمكن أن تطلب في مثل هذه اللحظة التاريخيّة؟..السيدة صوفية زهير أرملة الشهيد صالح بن يوسف تتحدّث ل«الشروق»بعد غيابها عن وسائل الإعلام لسنوات طويلة خصت السيدة صوفية زهير أرملة الشهيد صالح بن يوسف «الشروق» بمقابلة صحفية أثناء حضورها في السهرة الختامية أمس الأول في قاعة الفن الرابع بالعاصمة لتظاهرة الوفاء للزعيم الشهيد صالح بن يوسف التي انطلقت فعالياتها من جزيرة جربة منذ 22 جويلية الماضي بمناسبة مرور خمسين سنة على اغتياله . شهدت السهرة حضور عدد من رموز الحركة الوطنية وكبار المناضلين من رفاق بن يوسف وعدد من ممثلي الأحزاب السياسية بالإضافة إلى سفير فلسطينبتونس. وقد تمت هذه المقابلة بحضور نجلها الأصغر الدكتور لطفي بن يوسف الذي كان كثيرا ما يتدخل لتوضيح فكرة أو تذكير والدته بمعلومة غابت عنها نظرا إلى تقدمها في السن. فكان اللقاء فرصة للوقوف على بعض الحقائق والمواقف التي اختلفت حولها المراجع والمصادر المهتمة بتاريخ الحركة الوطنية . لو عدنا بالذاكرة ليوم 12 أوت 1961 تاريخ اغتيال الزعيم صالح بن يوسف ماذا حصل بالتحديد في ذلك اليوم ومتى لفظ الزعيم أنفاسه الأخيرة ؟ وصلنا إلى مدينة فرنكفورت الألمانية استعدادا للتوجه إلى كوناكري بدعوة من الرئيس الغيني في صبيحة ذلك اليوم تلقى الزعيم مكالمة هاتفية تدعوه إلى لقاء في نزل «روايال» تركني في مقهى خارج النزل ليتوجه بمفرده إلى موعده بعد طول انتظار تم اكتشاف ان الزعيم تعرض إلى عملية اغتيال في إحدى غرف النزل وقد فارق الحياة بعد ساعات في المستشفى في غرفة العمليات أثناء عملية جراحية على الدماغ حيث سببت له الرصاصة والتي كان مصدرها كاتم صوت نزيفا دماغيا حادا استعصى على الأطباء معالجته وهذا ما يتعارض مع بعض المصادر التي اعتبرت أن الزعيم قد فارق الحياة مباشرة في غرفة النزل . هل لديك علم بطبيعة المهمة التي دعي الزعيم من أجلها إلى النزل وهل ذكر أسماء لأشخاص بعد المكالمة الهاتفية؟ لا أدري بالتحديد فكل ما قاله لي هو أنه مدعو إلى لقاء مع «جماعة من تونس» وأنا في الواقع ليس لي علم بجميع تحركاته فقد كان هادئا كتوما وقليلا ما يحدثني عن السياسة على عكس وسيلة التي كانت تعرف كل كبيرة و صغيرة عن بورقيبة. قبل اغتياله بفترة أعلمت المخابرات المصرية الزعيم بأن مجموعة في تونس بأمر من الحبيب بورقيبة تخطط لاغتياله ودعته للحذر وعدم مغادرة القاهرة في تلك الفترة، لماذا لم يأخذ الزعيم هذه المعلومات مأخذ جد و يعمل على تأمين نفسه؟نعم لم يتعامل بجدية مع تلك المعلومات التي ذكرها لنا عدد من المسؤولين المصريين فهو لم يكن يظن أن خلافا سياسيا وفكريا قد يتحول إلى عداء يصل إلى حد القتل خاصة وأنه كانت تجمعه ببورقيبة علاقات صداقة حميمة فكثيرا ما كان يزورنا في منزلنا بمونفلوري فهو بعبارة أخرى قد استبعد الخيانة.كيف كان زوجك يتفاعل مع أخبار ممارسات بورقيبة من تعذيب ومحاكمات قاسية لأنصاره في تونس عندما كنتم في ليبيا ثم في القاهرة ؟ كان يتألم كثيرا من الأخبار التي تصله عن «صباط الظلام» بسبب الجرائم التي اقترفها بورقيبة في حق اليوسفيين من قتل وتعذيب ومحاكمات شكلية تنتهي بالإعدام لهدف وأد المقاومة المسلحة وقد ضغط على بورقيبة في أكثر من مرة من خلال جمال عبد الناصر لتخفيف الأحكام في بعض القضايا وإطلاق سراح عدد من المناضلين.في بداية عهد الرئيس المخلوع سارع إلى دعوتكم وإلى العودة والإقامة في تونس مع كامل أفراد العائلة وأذن بإيلائكم عناية خاصة إذ تم استقبالكم و توسيمكم بقصر قرطاج كما أمر بدفن الزعيم في تونس حيث نقلت رفاته من القاهرة إلى مقبرة الجلاز هل يمكن اعتبار هذه الخطوة مصالحة مع الماضي ورد اعتبار للزعيم صالح بن يوسف؟ لا أبدا فمن حق كل تونسي أن يدفن في وطنه وما قام به بن علي في بداية عهده لا يعتبر أبدا شكلا من أشكال المصالحة مع الماضي بل وظف القضية لتحقيق مكاسب سياسية ثم سعى إلى قطع جميع قنوات الاتصال حيث أذكر جيدا ما قاله لي الهادي البكوش أول وزير أول في حكومة بن علي: «إذا تعملوا سياسة أحنا ليس لنا بكم أي علاقة.»الكل يعرف أن عائلة بن يوسف كانت عائلة ثرية جدا فبالإضافة إلى أملاككم في جزيرة جربة لكم عدة عقارات في العاصمة تمت مصادرتها ثم آلت إلى مصير مجهول منها منزل فاخر بمنفلوري وآخر بالمرسى فهل سعيتم لاسترجاع حقوقكم لرد الاعتبار لصالح بن يوسف؟ نعم نسعى دوما لرد الاعتبار للزعيم الراحل ولكن ليس بالاسترجاع الممتلكات لأن الأضرار المعنوية أكبر بكثير من الأضرار المادية فرد الاعتبار بالنسبة لنا هو تصحيح التاريخ والكف عن مغالطة الشعب وتزوير الحقائق ونطالب بمراجعة تاريخ الحركة الوطنية بالشكل الصحيح وتنقيح كتب التاريخ والمناهج المدرسية الرسمية التي أساءت إلى صالح بن يوسف وغيبته وجعلت من بورقيبة الزعيم الأوحد هذه الكتب التي لا تزال إلى اليوم تشوه صورة صالح بن يوسف وتستعمل عبارات مثل « الفتنة اليوسفية».أين تضعون قضية صالح بن يوسف في خضم ما يحصل اليوم من تواتر الأحداث في العالم العربي؟إنّ ما يشهده اليوم العالم العربي من ثورات متتالية انطلقت من تونس وانتشرت إلى بلدان مختلفة في العالم العربي يؤكد الأفكار والمبادئ التي ناضل من أجلها صالح بن يوسف والتي أغتيل بسببها حيث راهن على ارتباط تونس الوثيق بواقع عالمها العربي وليست جزء من فرنسا كما اعتبرها بورقيبة واعتقد أن من أهم أسباب اغتيال بورقيبة لبن يوسف هو دعمه المطلق للمقاومة المسلحة في الجزائر حيث اعتبرت فرنسا وبورقيبة أن بن يوسف على الجبهة الجزائرية أخطر من بن يوسف في الداخل وقد كان أحمد بن بلة الرئيس الجزائري الأسبق أول رئيس دولة يزورني في القاهرة لتقديم التعازي .