انتهى الجزء الثاني من سلسلة «نسيتي العزيزة» على قناة نسمة ورغم النجاح الجماهيري الذي حصدته فإن عليها أكثر من مأخذ ذلك أن السيناريو حول اللهجات إلى موضوع السخرية تشير كل نسب المشاهدة للقنوات التونسية خلال النصف الأول من الشهر الكريم إلى حصد سلسلة «نسيبتي العزيزة» لأعلى نسب المشاهدة متصدرة بذلك كل ما أنتج بمناسبة شهر رمضان وكل ما تبث القنوت التونسية الخمس. هذه النسبة التي حازتها سلسلة قناة نسمة أعتقد شخصيا في صحتها فقد نجحت مجموعة العمل في شد الجمهور وخاصة الثلاثي خالد بوزيد في دور« الفاهم» وسماح الدشراوي في دور «خميسة» وفرحات هنانة في دور «المنجي» كما لم يكن أداء بقية المجموعة سيئا وخاصة يونس الفارحي في دور «ببوشة» أما بقية الممثلين فقد حافظوا على نسق أداء محترم وخاصة منى نور الدين في دور «فاطمة» الذي أدت فيه شخصية سيدة من صفاقس ببراعة في أداء اللهجة. ولا أشك في أن هذه السلسلة تعامل معها المشاهد بالكثير من الهزل والضحك لمواقفها الطريفة التي برع «الفاهم» و«خميسة» و«المنجي» في صياغتها. الجهات الداخلية لكن الاعتراض على هذه السلسلة كامن في جهة أخرى، فقد حول السيناريو الجهات الداخلية وخاصة جهة القصرين وأريافها إلى موضوع للسخرية ذكرنا بخطاب ممجوج تروجه الأعمال التونسية منذ السبعينات ومع ظاهرة الهجرة الداخلية أو ما عرف بالنزوح بعد فشل تجربة التعاضد التي قادها أحمد بن صالح سنة 1969 وما ترتب عنها من نزوح جماعي نحو العاصمة وانتشار الأحياء القصديرية التي أصبحت أحزمة للفقر وللغضب بسبب انعدام الشروط الدنيا للحياة فيها. منذ السبعينات روج لمين النهدي لصورة «الريفي» في المدينة الذي كان مثار سخرية وتهكم من «البلدية» وسكان المدن الكبرى وأصبح هذا الريفي كما صورته التلفزة معادلا للجهل باستعمال أدوات التحضر بل للغباء أيضا في معادل «الحضري» الأنيق الذي تعامل بتحضر مع محيطه. هذه الصورة ظلت أغلب الأعمال التونسية في التلفزة تستحضرها وتروجها وقد كانت انعكاسا طبيعيا للحرمان والاقصاء الذي عانت منه الجهات الداخلية وخاصة جهات الكافوالقصرين وجندوبة وسليانة. وكان من الطبيعي أن ينفجر الغضب في يوم ما بسبب الأقصاء الاجتماعي والتهميش والاحتقار الذي عانت منه هذه الجهات ومازالت فكانت الانتفاضات تتتالى في هذه الجهات إلى أن كانت ثورة 14 جانفي التي جسدت أعلى درجات الغضب الذي استهدف نظام الحكم، هذا النظام الذي تعامل منذ الاستقلال مع هذه الجهات بالكثير من الاحتقار والاقصاء والتهميش. وكنا نعتقد أن ثورة 14 جانفي ستغير روح الانتاج التلفزيوني بمزيد الانفتاح على الجهات ومنحها حرية التعبير عن هواجسها وأحلامها وتقديم طاقاتها المغمورة ولكن لا شيء حدث بل إستمرت نفس الصورة وكأن لا شيء حدث. حسن النيّة لا أشك في نوايا الثنائي فرحات هنانة ويونس الفارحي في كتابتهما للسيناريو وتركيبهما للشخصيات ولكن الاساءة حصلت من حيث لا يدريان فليست هذه القصرين التي يعرفها الفارحي جيدا لقد تم التعامل مع شخصيتي «الفاهم» و«خميسة» بشكل كاريكاتوري كان من المفروض القطع معه خاصة بعد أن ملأ الدم الشوارع برصاص وطني. إن الطريق إلى الجحيم محفوفة بالنوايا الطيبة وكم كنت أودّ لو أبتعد ثنائي السيناريو عن هذه الصورة التي قدماها لجهة القصرين أو على الأقل الابتعاد عن تحديد الجهة حتى لا تثير الحساسيات في ظرف دقيق تمرّ به البلاد. ويبدو ان قناة نسمة تنوي الاستمرار في تقديم جزء ثالث من هذه السلسلة وشخصيا أعتقد أن هذه السلسلة أستنفدت موضوعها ويفترض القطع مع ترويج صورة كاريكاتورية لجهة تونسية تزحر بالكفاءات وبالثروات الطبيعية والمنتوج السياحي الذي لم يستثمر لأن الدولة أقصتها لسنوات طويلة من مشاريع التنمية الحقيقية.