انتهى التحريض الشهير على عبد العزيز الثعالبي بسجنه مدة شهرين، غير أنه لم يفقد شيئا من حماسه وتصميمه على الإصلاح. وعندما غادر السجن عاد إلى الاتصال بأنصاره والذين يشتركون معه في أفكاره الإصلاحية خصوصا وقد بدأت تظهر بين الشباب التونسي موجة من الأفكار التحريرية. لقد شهدت تونس منذ بداية القرن العشرين استقرار النظام الاستعماري وتم الاستيلاء على أغلب أراضي الدولة وأراضي الأوقاف والأحباس وتم توزيعها على المعمرين بالإضافة إلى الأراضي الأخرى الكثيرة التي تم افتكاكها أو تحوزها بالحيلة والقروض المجحفة على مالكيها بتواطؤ من الموظفين الفاسدين. كما شهدت البلاد عملية فرنسة شاملة لمؤسسات الدولة والتعليم والإدارة التي شغل أغلب وظائفها الفرنسيون ثم الأجانب مثل الإيطاليين يليهم التونسيون المتجنسون. لقد دفع ذلك الوضع بالمئات من الشباب المثقف إلى التحرك للدفاع عن مصالح التونسيين أولا، وبحث مسألة الاستقلال التي لم تتبلور بعد كمطلب سياسي. وفي تلك الظروف، التقى الثعالبي مع المحامي الشاب علي باش حامبة ليساهما في تكوين «حركة الشباب التونسي» وهي منظمة أهلية تهدف إلى أن تكون صوت «سكان تونس الأصليين» في وجه المستعمر الذي كان يطلق عليهم تسمية «أنديجان»، وهي عبارة فرنسية متعالية مقارنة بالمعمرين الفرنسيين. ومن أهم مميزات هذه المنظمة هي أنها تجمع بين خريجي الزيتونة الذين يتلقون تعليما دينيا تقليديا مثل الشيخ الثعالبي وخريجي الصادقية الذين يمثلون النخبة ذات الثقافة والتعليم العصريين. أمثال علي باش حامبة وشقيقه محمد وعبد الجليل الزاوش وخير الله بن مصطفى. وأثمر هذا اللقاء إنشاء «جريدة التونسي» عام 1904 في تونس التي تميزت بالانتشار الواسع بمقاييس وقتها وكانت توزع نسخها خارج تونس للتعريف بالقضية التونسية. وقد نشرت هذه الجريدة على مراحل برامج حزب حركة الشباب التونسي التي تطالب بحق التونسيين في تسيير بلادهم وهو ما أثار سخط السلطة الاستعمارية التي أوقفت الجريدة وحجزتها مرارا، واستمرت هذه المجموعة في الدفاع عن حقوق التونسيين وفي كشف مؤامرات الاستعمار في محو هوية البلاد وفي إطلاق أيدي المعمرين ليستأثروا بخيراتها. ويمكن القول إن جريدة التونسي وحركة الشباب التونسي قد ساهما بشكل كبير في الإعداد للمواجهات الأولى في تونس ضد الاستعمار وخصوصا حوادث الزلاج كما سنرى في الحلقة الموالية.