لقد كانت مسؤولية عبد العزيز الثعالبي وأصحابه من مؤسسي حركة الشباب التونسي وحزب تونس الفتاة وكتاب جريدة التونسي دور أساسي في تحريض الشعب التونسي على مواجهة السلطة الاستعمارية والخروج في مواجهات الزلاج، لكنه كان دورا معنويا. وانتهت السلطات الاستعمارية إلى إيقاف العشرات من التونسيين في محاكمة شهيرة عام 1912 منهم المحامي الشاب عبد الجليل الزاوش الذي دافع عن قضية الشعب التونسي ببسالة أمام هذه المحكمة. لكن القضاة الفرنسيين أصدروا عدة أحكام جائرة بحق المتظاهرين بلغت الإعدام ضد 25 تونسيا والعديد من الأحكام بالأشغال الشاقة. لقد مثلت تلك الحادثة علامة كبيرة وفارقة في الوعي الوطني النضالي ضد الاستعمار في تونس، وكانت تلك الحادثة التي خلفت عدة شهداء بداية لتطور النضال السياسي وحتى العسكري ضد الاستعمار. أما بطل مسلسلنا الثعالبي، فقد وجد نفسه ضحية نظامين استعماريين: فرنسا بما تحمله له من مسؤولية في أحداث الزلاج وإيطاليا التي تلاحقه بسبب ما يفعله من تجنيد المقاومين في تونس للقتال إلى جانب إخوانهم في ليبيا. واتفقت الدولتان على ملاحقته ونفيه من تونس إلى فرنسا فسافر إلى مرسيليا ثم باريس مطالبا دائما بتحرير تونس من الاستعمار ومتحدثا في كل المجالس عن حقوق التونسيين في الاستقلال. ونجد في بعض كتب التاريخ أن الفرنسيين حاولوا إغراء الثعالبي في فرنسا وعرضوا عليه عدة مناصب علمية في التدريس مقابل أن يتوقف عن الخطابة وعن تحريض الناس، لكنه رفض تماما ووجد نفسه تحت المراقبة اللصيقة فعاد إلى تونس عام 1913 ومنها توجه نحو الآستانة في تركيا العثمانية حيث التقى الشيخ علي ياسين جمعة، وهناك عملا على تدويل القضية التونسية والتقيا عددا كبيرا من قادة النضال ضد الاستعمار في العالمين العربي والإسلامي مثل شكيب ارسلان ومحمد فريد وعبد العزيز جاويش وأحمد أغابيف من زعماء المسلمين في روسيا. لقد بلغ من تأثير الشيخ الثعالبي وأصحابه أن تكونت في الآستانة هيئة عليا من قادة المسلمين لتأليف جيش من المجاهدين يتوجه إلى شمال إفريقيا لتحريرها من الاستعمار الفرنسي والإيطالي، لكن التطورات السياسية والعسكرية في تركيا لم تسمح بخروج هذه الفرقة من المجاهدين. ومن تركيا، توجه عبد العزيز الثعالبي إلى الشّرق الأوسط حيث سيقابل عددا آخر من الزعماء خصوصا في مصر وحيث سيعد لعودته إلى تونس محملا بكتابه الشهير «تونس الشهيدة» الذي سوف يكون له تأثير كبير في النضال التونسي خصوصا على الزعيم بورقيبة.