قادته الرغبة في إنقاذ ما تبقّى من حياته إلى دفع كرسيّه المتحرك بيديه المنهكتين على طول خمسة كيلومترات للوصول إلى مقرّ جريدة «الشروق»... حيث دمعت عيناه وهو يروي قصة مرضه الموجع الذي افقده امكانيّة الحياة. يدعى فتحي بن علي وهو عامل يومي يبلغ من العمر 44 سنة اصيب خلال السنوات الماضية بنوع من السرطانات تسبب له في الشلل النصفي... الأمر الذي جعله يفقد تدريجيا حياته الهادئة. «فقدت طفلتي» يقول فتحي ذلك وهو يبكي قبل أن يضيف ممسكا بيمناه صورة له كان قد التقطها قبل 5 سنوات على حافة نافورة ساحة 14 جانفي (7 نوفمبر سابقا) «لم أعد قادرا على اعالتها لأنني اصبحت معوقا ومحتاجا وغير قادر على تأمين الحياة لها لأجل ذلك فضّلت أن أسلمها إلى عائلة بديلة تستطيع أن تهبها الحياة وهي اليوم تعيش مع عائلتها الجديدة في ألمانيا»... يغرق في نوبة من البكاء يقول بعدها «ماكنت لافعل ذلك لو لا الفقر ما كنت لادع طفلتي تعيش في مكان لا أعرفه ولا أعرف ظروف عيشها». قال إن المرض حوّل حياته إلى جحيم اذ لم يجد المساعدة من أي كان «الجميع عاملني بفظاظة المسؤولين والمقربين منّي تصوّروا أنّ أحد أقربائي يغسل يديه بالماء والجافال ما إن اقترب منّي لأنه على علم باصابتي بمرض السرطان». لا يتوقف فتحي عن البكاء وهو يسرد ذلك ثمّ يطلق نصف ابتسامة مفاجئة وهو يشكر زوجته التي شدّت أزره وتمسّكت بالبقاء إلى جانبه ومساندته حتّى آخر رمق في حياته «حين تشتدّ بي الازمة أتمسّك بايماني واتذرّع لله واستند إلى مساعدة زوجتي الفاضلة». قال إنّه يتعاطى المورفين كمسكّن للآلام بمعدّل حقنة كل ساعتين لاجل ذلك منع زوجته من العمل لأن لا أحد يكترث لوضعه العلاجي وبالتالي لا احد سيحقن له العلاج... ويستظهر فتحي بشهائد طبّية دوّن فيها أطبائه نداء لمساعدة الرجل لأنه مريض ويحتاج التنقل المستمر لمعهد صالح عزيز للعلاج كما يحتاج المراقبة والمساعدة النفسية لأن مرضه وعجزه المفاجئ تسبّب له في وضع نفسي معقّد. قال أيضا إن الدولة لم تساعده فبدل توفير مورد رزق له يحفظ كرامته كمريض وعاجز تمّ رفض كل مطالبه قبل الثورة وبعدها «حاولت الوصول إلى الوزير الأول لكن الحاجز الامني منعني من ذلك اردت فقط أن يسمعني فأنا ضعيف وفي حاجة لمن يسمعني أنني متعب وفي حاجة لمن يستمع الي ويساعدني»... ثمّ يغرق مجددا في البكاء وهو يسرد كيف سقط شقيقه ذات يوم من على صهوة بغل فحمله على كتفيه ومشى به مسافة طويلة في مسلك وعر إلى أن اوصله للمستشفى ويتذكر في الآن نفسه كيف أن شقيقه يعامله بقسوة فقط لأنه مصاب بالسرطان. روى فتحي ايضا أن احد الاطباء الخواص فتح له باب الأمل إذ «قال لي إنه بامكاني المشي مجددا اذا ما اجريت عمليّة جراحيّة تقدّر كلفتها ب43 ألف دينار لكن من اين لي هذا المبلغ».