طالب عدد من أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أمس بحل اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول قضايا الفساد والرشوة وهي المطالبة التي فاقمت التوتر داخل الهيئة، بعد الغضب الذي خلفه السيد عبد الفتاح عمر بين أعضائها خاصة حين اتهم الشعب بأكمله بالتورط في منظومة الفساد. تفاقم التوتر داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أمس فبالإضافة إلى الخلاف الموجود حول جدول الأعمال ومسألة تمرير قانون الجمعيات من عدمه فقد مثل تقرير اللجنة الوطنية لمكافحة الرشوة والفساد الريشة التي قد تقصم ظهر الهيئة بعد الغضب الذي خلفه بين أعضائها خاصة حين اتهم الشعب بأكمله بالتورط في منظومة الفساد من قبل رئيس اللجنة السيد عبد الفتاح عمر رغم إعتذاره وتأكيده انه لم يقصد ذلك، حتى ان البعض لوحوا بالاستقالة خاصة بعد تمرير قانون الجمعيات أثناء تواجدهم خارج القاعة للاحتجاج على الاشكال الأول. وقال رئيس اللجنة ان منظومة الفساد أقيمت تدريجيا في تونس وتعاضمت منذ سنة 2000 وأحكمت قبضتها على الدولة والمجتمع منذ سنة 2005 وانها تجسمت في عدد من المؤسسات السياسية والادارية والقضائية للدولة وعددا من الجماعات المحلية وحزب التجمع وعدد من الجمعيات والمنظمات وعدد من وسائل الاعلام وأدت الى اشاعة سلوكيات في المجتمع ظهرت في شكل اتخاذ المجتمع كافة لتوجه ينبني على الرشوة والفساد إضافة الى التبعية وتعميم الخوف. المطالبة بحل اللجنة ومن بين مظاهر الفساد والآليات المتبعة التقنية المستعملة في المجال العقاري وهي تغيير صبغة الأراضي من فلاحية الى صالحة للبناء فغنمت منها العائلة الحاكمة أموالا طائلة. ومع عدم تقديم معطيات دقيقة حول الملفات بدأ عدد من أعضاء الهيئة في المطالبة بعدم مواصلة الحديث في العموميات «التي يعرفها جميع التونسيين» فهاجت القاعة قليلا مما أستدعى تدخل السيد عياض بن عاشور ليشير إلى أن «السيد عبد الفتاح ليس ملزما بقول ما تريدون (الأعضاء) أو التفسير». وتابع رئيس اللجنة قائلا «أسندت لنا مهمة تفكيك منظومة الفساد» موضحا ان مصادر اللجنة وملفاتها في مجال التقصي كثيرة وتعتمد على المواطنين بالدرجة الأولى وعددها بلغ 9206 فضلا عن الملفات التي ترد على اللجنة من الإدارة وقد تمت دراسة 3920 ملفا وأحيل منها 200 ملف إلى القضاء مؤكدا أن أكثر من نصفها تتعلق بالرئيس المخلوع وعائلته. وقال عبد الفتاح عمر ان لجنته واجهت صعوبات جمة و«أغلبها مفتعلة» وان القضاء أمدهم بمآل نصف الملفات التي أحالوها اليه، كما طرح مقترحا يقضي بتكوين هيئة مستقلة وقارة تتعهد بمكافحة الفساد والرشوة وتطبيق الاتفاقية الدولية في هذا الصدد داعيا الى تشريك المجتمع المدني. ومع فتح باب الأسئلة أمام أعضاء الهيئة تهاطلت الانتقادات لعمل اللجنة وللتقرير الذي قدمته حتى ان هناك من طالبوا بحلها وتكوين لجنة أخرى تكون قادرة على القيام بهذه المهمة وفي هذا الاتجاه تساءل الأستاذ عبد المجيد الشرفي عن حجم الأراضي التي تم تحويل صبغتها من فلاحية الى صالحة للبناء موضحا ان الشعب ينتظر مشروعا بسرعة ملموسة فيما يخص قضايا الرشوة والفساد، معتبرا ان تواصل بعض مظاهر الرشوة الى اليوم هناك أطراف تقف وراءه. ومن جهتها طالبت السيدة حياة حمدي اللجنة بأن تمد العموم بقائمات في الملفات التي أحيلت على القضاء «لكي لا تتحولوا الى أداة للابقاء على الفساد، ومن جانبه اعتبر السيد محمد جمور ان اللجنة ركزت في عملها على المجال المالي والاقتصادي «لكن الفساد الأكبر في المجالات الأخرىمثلا كانت المسؤوليات الديبلوماسية لا تسند الا لأشخاص تفانوا في خدمة النظام. وبالنسبة للأستاذ العياشي الهمامي فقد اعتبر ان عمل اللجنة لا يقنع الرأي العام لا من حيث الأداء ولا من حيث المواقف وتساءل عن المفهوم الذي حددته اللجنة للرشوة والفساد وعن نسبة الفساد ودوائر الرشوة في تونس. وتابع «تعملون في السر كان من الأجدر ان يصدر عنكم على الأقل تقرير مفصل لنتائج عملكم، كما تساءل عن مفهوم الاستقلالية لدى اللجنة وكيف رفضت تطبيق حكم قضائي أعطى الحق للمحامين للاطلاع على قائمات مثلا داعيا الى حل اللجنة بعد الانتخابات وتكوين «لجنة جدية». «كلنا فاسدون» وفي الاتجاه ذاته اعتبر السيد المولدي القسومي انه هناك مؤشرات كثيرة على ضعف اللجنة متسائلا عن موقفها من القائمة التي صدرت مؤخرا للمحامين الفاسدين وصدور أسماء بعض أعضاء اللجنة فيها.ومن جانبه اعتبر السيد فاضل بالطاهر ان اللجنة ركزت نشاطها على العاصمة ولم تتجه الى الجهات مشيرا الى ان التقصي يعني تتبع الفساد وليس الجلوس على كرسي وانتظار الملفات. هذا واعتبر السيد رضا بوزريبة ان اللجنة حاولت ان تقنع أعضاء الهيئة في مداخلة رئيسها بأن الفساد جاء بعد سنة 2005 مؤكدا ان منظومة الفساد انطلقت منذ سنة 1987 واتسعت فيما بعد وان ذلك مايفسر وجود 9آلاف ملف فقط لدى اللجنة، وتساءل عن سبب دراسة 3 آلاف فقط من 9آلاف وعن مصير بقية الملفات. وفي الاتجاه ذاته قال السيد مصطفى عبد الكبير ان لجنة الفساد «تسترت على الفساد واطالب بحلها وبعث لجنة تكون أكثر فاعلية حيث انه من أهم أهداف الثورة مقاومة الفساد»، وفي نفس الاطار قال السيد بيرم بالعيفة ان اللجنة فشلت فشلا كبيرا وان المجموعات المماثلة لمجموعة ال25 أنجزت الذي كان مطلوبا من اللجنة متسائلا «كيف لنظام قام على الفساد لا يتم تقييمه من موقع الوزير الأول ووزير أملاك الدولة اللجنة لم تتحرك ولا تستطيع مساءلة من كونها وهنا نجد اعتداء على ذكاء المواطنين». وفي رده على التساؤلات قال عبد الفتاح بن عمر ان حل اللجنة كلام يقال حتى عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وان سرية أشغال اللجنة محكومة بالقانون مؤكدا ان اللجنة أصدرت قائمة بالملفات التي تناولتها لكن الاعلام لم يهتم بها وان هناك قائمة تكميلية ستصدر قريبا. وأكد رئيس اللجنة انها وجدت قائمات تتعلق بالمحامين الفاسدين مع وصف لكل منهم وقد أحالت الملف الى القضاء، كما وجدت اللجنة قائمات للقضاة الفاسدين تتضمن كل الحركات القضائية كما وجدت مراسلات بين الرئاسة والوزارة بخصوص تمديد عمل عدد من القضاة مؤكدا انه من الممكن جدا ان يحال هذا الملف قريبا على القضاء. وأضاف قائلا «نحن شعب تونس ساهمنا في تغلغل ظاهرة الفساد أنظروا حولكم من منا غير فاسد». وهنا هاجت القاعة وماجت وغادرها عدد كبير من الحاضرين احتجاجا على اتهام الشعب بالتورط في الفساد، الا ان رئيس الهيئة تدخل بعد اعتذار السيد عبد الفتاح عمر ليقول انه يعرف ان رئيس اللجنة لم يقصد اتهام الشعب بالفساد او المساس بأعضاء الهيئة. وبعد ذلك أحال بن عاشور رئاسة الجلسة الى السيدة لطيفة الأخضر نائبته ليرافق ضيفه الى الخارج لكن وقبل مغادرته للقاعة كانت الرئيسة قد صادقت باجماع الموجودين داخلها على القانون المنظم للجمعيات؟.