أجمع أغلب المؤرخين أن جوهرة الساحل سوسة لعبت دورا رياديا على امتداد العصور، فالمدينة كانت مرفأ إفريقية الحربي العظيم الذي انطلقت منه أولى الجيوش الاسلامية لغزو أوروبا. ومن جوهرة الساحل ركب أسد بن الفرات البحر غازيا الى صقلية سنة 212 هجريا فاقتحم الكثير من معاقلها وتغلّب على كثير من مدنها. ويقول المؤرخون أن هذه الفتوحات الاسلامية المظفرة فرضت نمطا معماريا خاصا لردّ أي عدوان خارجي. إن المشاهد لآثار سوسة الأغلبية مثلا يكون أول ما يسترعي انتباهه فيها قلّة الزخرفة وانعدام النقوش على بناياتها التي امتازت بالقوة والمتانة فجامعها الكبير ورباطها وقصبتها كلها خالية من آثار الزخرفة والزينة. كانت المدينة أيام المسلمين عبارة عن حصن عسكري كبير ومدينة حربية يسكنها جانب من الأهالي الذين انقطعوا الى الأعمال الحربية وكرّسوا حياتهم للدفاع عن أراضي الاسلام. وعن النمط المعماري يؤكد المؤرخون أن الرباطات والأسوار والمنشآت المائية (خاصة ماجل الصفرة بسوسة) شواهد على ابداعات المهندسين المسلمين في مجال العمارة العسكرية والمدنية المخصصة للخدمات العمومية. مدرسة سوسية اكتسبت العمارة في العهد الأغلبي طابعا خاصا ونغما كبيرا بعد أن كانت متأثرة كثيرا بالأنماط المشرقية. وأفرز هذا النمط الأغلبي عدة مدارس معمارية محلية كالقيروانية والسوسية وإن انضوت جميعها ضمن العمارة الافريقية (نسبة لإفريقيّة) إلا أن لكل منهما خصائصها. فالمدرسة القيروانية تحمل تأثيرات مشرقية لبلاد الرافدين في ما يخص طوق البناء والزخرفة واستعمال الأجر المشويّ والطوب، بينما تمثل المدرسة السوسية نمطا معماريا خاصا يمكن تسميته بنمط التحصينات والثغور الذي يغلب عليه الطابع العسكري ولعلّ الرباط وسكّانه من الناسكين المحاربين خير مثال على ذلك. كما نجد الجدران والسقوف مشيّدة بتقنية الدّبش التي من شأنها أن تقي المدينة من الحرائق وصلابتها قادرة على صدّ أي عدوان خارجي.