سيدي الوزير: أنا الكتاب ولست في حاجة الى التعريف بنفسي، فأنت تعرفني جيّدا ألم أكن ولا أزال أنيسك ورفيقك... أنت الذي درست وتعلّمت بالكتاب، انت الذي قرأت وبحثت ونقبت في العديد من الكتب، انت الذي تعاملت معه طالعته واستعرته وعملت في ميدانه... ألم أرافقك في حلّك وترحالك، ألم أقاسمك مكتبك وبيتك وغرفتك وحتى فراشك. باسم حبّك لي ومعاشرتي ومؤانستي لك وما قدمته لك وللانسانية جمعاء باسم الكتب السماوية والوضعية. باسم أمهات الكتب وآبائها وابنائها واحفادها وأجيال أجيالها.. باسم المناجد والمعاجم، الموسوعات والمجلّدات، الاطلسيات والبيبلوغرافيات، باسم الدواوين والرسائل والمقامات والقصص والروايات. باسم المقدمات والتوطئات، باسم الابواب والفصول والاجزاء والاقسام... باسم الورقات والصفحات، الفقرات والاسطر والمفردات... باسم الابجديات والحروف والارقام والكلمات والنقط والفواصل. ثم بحق كل ناسخ وكاتب ومؤلف ومفسّر ومسفّر ومترجم... بحق كل مطبعي وناشر وموزع، كل بائع وعارض كتب. بحق كل مكتبي وموثق، مصنّف ومفهرس، كل مبرمج و«مرقمن» بحق كل عالم ودارس كل باحث وطالب، كل أديب وشاعر ومؤرّخ، كل ناقد ومحقّق ومقتبس، كل مثقف ومبدع. سيدي الوزير، باسم وبحق كل هذا وذاك، ها نحن معشر الكتب نقف مجلدا واحدا ودفّة واحدة لنطلقها صرخة مدوية عالية على صداها يصل الى مساعكم نقف لنصرخ مولولين: يا لهول مصابنا وعمق مأساتنا،يا لذلنا وقهرنا، ما أشد حزننا وتعاستنا وما أعظم حسرتنا ولوعتنا عند حكم الرمان على الكتاب أن يذلّ ويهان... يا لقبح وشناعة مشهد البعض من بني جنسنا وهم يتصدّرون واجهة «مكتبة» الرئيس المخلوع، هو الذي أغرى البعض منا بنعمة الجاه والقصور وجعلهم زينة وديكورا... هو الذي كان يقتني الكتب حسب مقياس المظهر والامتار لا بما يحملونه من علوم ومعارف وأفكار... يا للخزي والعار وقمّة الاستهتار، استغلنا للتستر على عورة اجرامه في تكديس «الزطلة» والخمر والأورو والدولار... فقط نحمد الله ان يديه الغليظتين المتسختين لم تمسسنا يوما لان كنوز علومنا ومعارفنا لم تكن تعنيه لأنه لم يكن له ادراك الرئيس جيفرسون الذي قال: «الذين يقرؤون فقط هم الاحرار لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة». سيدي الوزير، أنظر حولك سواء كنت في مكتبك او في بيتك فأنا متأكد أنك ستجدني، عندئذ خذني بين يديك...لا تنظر إليّ بل تأمّلني جيدا، فكر في حالي وأحوالي جيدا. تم بعد أن سمعت صرختي، انصت واصغي الي فستدرك انني في حاجة اكيدة الى من ينفض عني غبار سنين المهزلة والاستهتار، سنين الضياع والتهميش سنين الذل والهوان... فأنا الأصل وباقي الفنون هي الفرع فجلّها انبثقت من رحمي، أنا المتنقل المتحرك العابر للمحيطات والقارات والحضارات في حين ان المعالم والمواقع ثابتة مستقرة عبر الزمان والمكان. سأختم يا وزيري، يا مقرّر ومدبّر أمري ومصيري لا بولولة الصياح والصراخ فيكفيك ولولة وصراخ بقية مجالات الفنون... فقط سأهمس في أذنيك بلطف وحكمة الكتاب لأنقل لك حرفيا ما قاله أيار توليني في حقي: «بدون الكتب يصمت الضمير، وتنام العدالة وتقف الطبيعة، وتعرج الفلسفة، وتصاب الآداب بالصمم، وتطوي الظلمة سائر الاشياء «ألم يكن هذا حال البلاد والعباد طيلة ثلاث وعشرون سنة من القمع والاستبداد؟!!». أم الخير نورة الاندلسي حافظ مكتبات