رئيس الجمهورية يطالب بالقطع نهائيا مع النظام القانوني الحالي للتعامل بالشيكات    قانون الشيك دون رصيد محور لقاء سعيد بوزيرة العدل (فيديو)    منها مخزون المياه بالسدود: هذه محاور لقاء رئيس الجمهورية بوزير الفلاحة    حرائق شمال الكيان الصهيوني.. التهمت 4000 دونم وإصابة 11 شخصا    رئيس البرلمان الإيراني محمد قاليباف يترشح للرئاسة.. تعرف عليه    صواريخ حزب الله تحرق "كريات شمونة"    رسميا.. جوائز "الأفضل" في دوري أبطال أوروبا    الثّلاثاء: كيف ستكون حالة الطّقس و درجات الحرارة؟    للمشاركة في أول قمّة كورية إفريقية...الوفد التونسي يصل إلى مطار سيول الدولي    قضية أنستالينغو .. راشد الغنوشي يرفض المثول أمام المحكمة    المنتخب الوطني .. الجامعة تُحفز الجماهير للحضور بكثافة    أحداث الدربي: الداخلية تفتح تحقيقا وإجراءات جديدة للحد من ظاهرة العنف    عاجل: تصفيات كأس العالم: إصابة اللاعب سيف الدين الجزيري    بطاقة إيداع بالسجن في حق محام اعتدى بالعنف على رئيس مركز الأمن برادس    القصرين..اختبار الباكالوريا.. أكثر من 5 آلاف مترشّح و16 حالة تتمتع بإجراءات استثنائية    بتعلّة أنه يسبّ الجلالة ...إرهابي يذبح شابا في جبل الأحمر بالعاصمة    جبنيانة.. ثراء فاحش لشبكة مختصة في الاتجار بالأشخاص    الملتقى الوطني لفنون الصّورة والسّينما والفنون التّشكيلية بالمهدية .. عروض ثريّة للإبداعات والمواهب التلمذيّة    الملتقى الجهوي للمسرح بالوسط المدرسي .. تتويج المدرسة الابتدائية السبالة بجائزة العمل المتكامل    صفاقس.. قلع 168 كلم خطيّا من التين الشوكي المصاب بالحشرة القرمزية    المغرب/ إحباط محاولة تهريب أكثر من 18 طنا من المخدرات    عاجل/ أحداث "الدربي": بلاغ شديد اللهجة من النادي الافريقي    عاجل : التن المعلب الموجود في الاسواق هو تن مجمد مورد يتم تحويله في تونس    سوق الجملة ببئر القصعة: ارتفاع سعر البصل ب137 %    كهل يُقدم على الانتحار داخل منزل مهجور بهذه الجهة    المشتبه به عربي الجنسية: إلقاء قنبلة على سفارة الاحتلال في رومانيا    المؤسسات الصناعية في تونس : تشغيل حوالي 534 ألف عامل    بيت الحكمة يُصدر كتابا بعنوان "رحلة اليوسي" لمحمّد العيّاشي بن الحسن اليوسي عن تحقيق الباحث التونسي أحمد الباهي    عاجل : شادي الهمامي لاعب النادي الرياضي الصفاقسي يعتزل    قبلي: الاتحاد الجهوي للشغل يطالب في لائحة مهنية حول تطورات ملف شركة البستنة بتصنيفها كقطاع عام    الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه الدولية: تراجع النتيجة الصافية ب30 بالمائة في 2023    "الهريسة التونسية" إصدار جديد للتعريف بهذا التراث الغذائي التونسي المسجل على لائحة اليونسكو    حادث اصطدام بين تاكسي جماعي وسيارة بسوسة..وهذه حصيلة الجرحى..    الاستعداد للحج .. "شوق" وعادات وفيه "منافع للناس"    وزير الدّاخليّة يؤدي زيارة تفقد الى هذه الادارة..    حوادث المرور: 11 حالة وفاة في يوم واحد    التواتي: تحديد سعر لحم الضأن ب43 دينارا للكلغ    وزيرة التربية معلقة : '' هناك أشخاص غير أبرياء و لهم أجندة سياسية''    نابل حجز أزياء عسكرية مزركشة معدة للبيع خارج الأطر القانونية.    أحرز اللقب على حساب دورتموند .. الريال «ملك» رابطة الأبطال    بطولة ايطاليا : صعود فينيتسيا بعد فوزه على كريمونيزي    عاجل/ "المالديف" تحظر دخول حاملي جوازات السفر الإسرائيلية إلى أراضيها..    المرصد التونسي للإقتصاد يدعو إلى إرساء سياسة فلاحية تكرّس مبدأ الاستقلالية الغذائية    الفنانة إبتسام الرباعي ل«الشروق».. أتمنى تطهير الساحة الفنيّة من الدخلاء    القيروان: برمجة ثرية في مهرجان المشمش بحفوز (صور)    فيلم "المابين" لندى المازني حفيظ يتوج بجائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم العربي بروتردام    اليابان : زلزال قوي بلغت شدته 5,9 درجات يضرب وسط البلاد    الهند: 25 ألف ضربة شمس ووفاة العشرات بسبب موجة حر    عاجل - تونس : ارتفاع استهلاك السجائر لدى اليافعين والأطفال تزداد أكثر فأكثر    نقص أدوية وطول إجراءات...مرضى السرطان يعانون في صمت!    رغم نجاحات أطبائنا...مستشفياتنا تعاني... والصحة «مريضة»    تونس الأولى عربيا في التدخين والسيجارة الإلكترونية بديل قاتل    لأول مرة في الكويت: نجوم مصريون يحيون 'ليلة النكد'    مكتب منظمة الصحة العالمية بتونس: معدّل عمر متعاطي أول سيجارة في تونس يناهز 7 سنوات    وفاة المخرج الشاب محمد أمين الزيادي    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنارة: المواطنة والحرية (2-3)
نشر في الشروق يوم 03 - 09 - 2011

تناولت حلقة الأسبوع الماضي بروز مفهوم المواطنة في المجتمع الغربي في مرحلة نضج فلسفة الأنوار، وقبيل اندلاع الثورة الفرنسية الكبرى، ثم تطور في القرنين التاسع عشر والعشرين، وتأثر به التنويريون العرب، ولكن كيف الأمر في المجتمع العربي الإسلامي ؟ ذلك هوهدف حلقة اليوم.
عندما يعود الدارس إلى أدبيات الفكر السياسي العربي الحديث يتضح له أن المفهوم السائد حتى مطلع القرن العشرين هومفهوم الرعية، ولم يكن الناس رعايا الدولة، بل هم رعايا الخليفة، أوالسلطان، أوالإمام، أوالأمير. وبعد ميلاد النظم الجمهورية بقوا رعايا السلطة ورعايا الحاكم بأمره، بالرغم من المظاهر الشكلية من دساتير، ومجالس نيابية، وانتخابات.
برز مفهوم الوطن والمواطن بالمعنى الحديث في أدبيات الفكر الإصلاحي العربي ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر، فلم يتحدث رواد الإصلاح عن المواطنة، لكنهم استعملوا مفهوم حب الوطن وربطوه بالحرية، وبالحكم المطلق الاستبدادي الذي زهد في الوطن بالأمس، ويزهد في المواطنة اليوم.
كتب أحمد بن أبي الضياف (1802-1874) في كتابه «إتحاف أهل الزمان ...» منددا بالحكم المطلق، ومعللا ضعف الممالك الإسلامية، قال :
«ومن المعلوم أن شدة الملك القهري تفضي إلى نقص في بعض الكمالات الإنسانية من الشجاعة، وإباءة الضيم، والمدافعة عن المروءة، وحب الوطن والغيرة عليه، حتى صار بعض الجهات من المسلمين عبيد جباية ليس لهم من مسقط رؤوسهم وبلادهم، ومنبت آبائهم وأجدادهم إلا إعطاء الدرهم والدينار على مذلة وصغار، والربط على الخسف ربط الحمار حتى زهدوا في حب الوطن والدار، وانسلخوا من أخلاق الأحرار، وهذه أعظم الأسباب في ضعف الممالك الإسلامية وخرابها».
وما أشبه الليلة بالبارحة !
إن المواطنة مرتبطة بحب الوطن والذود عنه، ولا يتم ذلك إلا إذا شعر المواطن أنه يتمتع بحقوقه، التي هي متلازمة مع الواجبات.
إن لمفهوم المواطنة علاقة متينة بمفاهيم ثلاثة: التمدن، الحقوق السياسية والمدنية، ومرتبطة بالخصوص بالحرية فلا مواطنة بدون حرية.
أود الإشارة في هذا الصدد إلى أن المواطنة مرتبطة بالقدوة والنموذج كذلك، فلا يمكن أن تطالب السلطة المواطن باحترام قيم المواطنة، والدفاع عن المصلحة العامة وهي غارقة في كثير من الحالات إلى الأذقان في الفساد، وقاطعة أرزاق الناس ورقابهم، إذ إن المقولة القديمة «الناس على دين ملوكهم» ما تزال مؤثرة في المجتمعات العربية.
ومن المعروف أن ضعف الشعور بالانتساب إلى الوطن، أوإلى الأمة يفرز الالتجاء إلى الجماعة، وإلى العشيرة، وإلى الطائفة.
من المنطقي والمؤمل أن يتجذر الشعور بالمواطنة، وتتوارى عندئذ النعرات العشائرية والإثنية، والطائفية بعد مرور قرن ونصف على نص ابن إبي الضياف، ثم بروز حركات تحرر وطنية عارمة في الوطن العربي على مدى النصف الأول من القرن العشرين مركزة أساسا على حب الوطن، والاستماتة في الذود عنه، ثم تلت ذلك موجة السياسات التربوية، وتنشئة أجيال جديدة من المتعلمين، وما ارتبط بذلك من التدرج في السلم الاجتماعي. كل هذه العوامل كان من المؤمل أن تفضي إلى تعمق الشعور بالمواطنة، لكن هذه النتيجة المنطقية لم تتحقق كما يشهد على ذلك الواقع العربي اليوم، وهنا يطرح السؤال التالي نفسه : ما هي الأسباب ؟
لا شك أنها متعددة ومتنوعة، لكنني أميل إلى الاعتقاد بأن السبب الحاسم هوتحول الدولة الوطنية، البنت الشرعية لحركات التحرر الوطني، إلى دولة قامعة همشت المواطن العربي، وتفاقم الأمر لما سيطرت المؤسسة العسكرية، ونظام الحزب الواحد على السلطة، فأممت الدولة والمجتمع.
إن وقوع الأقطار العربية في حالات معينة تحت نير المحنتين معا : العسكر، ونظام الحزب الواحد، لم يلحق الضرر بالمواطنة على مستوى الوطن الصغير فحسب؛ بل تجاوز ذلك إلى الوطن الكبير، فقد حلم عدد كبير في صفوف النخبة العربية المثقفة بأن يتحول الشعور بالمواطنة على المستوى القطري، بعد المد العارم الذي عرفه التيار القومي في الخمسينيات، إلى ترسخ ظاهرة المواطنة العربية، خصوصا أن أسسها السياسية والحضارية عريقة في التربة العربية، لكن انعدام المواطنة السياسية للأسباب التي ألمعت إليها عصف بالأسس، وأدى إلى ضعف الشعور بالهوية القومية، بل أفسح المجال لبروز هويات ضيقة متناقضة مع الهوية الوطنية والقومية معا، وأعني الهويات القبلية، والإثنية، والطائفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.