تشهد أروقة المحكمة الادارية ب«مونبليزير» منذ يومين حركية كبرى وساخنة في صفوف القضاة الاداريين وموظفي وأعوان المحكمة بعد قرار إقالة رئيس المحكمة السابق غازي الجريبي الذي وصفوه بالمفاجئ. تواصلت الى مساء أمس بمقر المحكمة الادارية حالة الغضب في صفوف القضاة الموظفين والأعوان على خلفية إقالة الرئيس الأول للمحكمة السيد غازي الجريبي وتعيين السيدة روضة المشيشي خلفا له... حيث التحق الجميع أمس بمقر المحكمة رغم العطلة القضائية في اجتماع مفتوح لتدارس الوضعية ومحاولة ايجاد مخرج لما اعتبروه «ضربا في الصميم لمصداقية ونزاهة واستقلالية القضاء الاداري ولرئيسه غازي الجريبي» ولما وصفوه أيضا بالقرار «المقصود» في هذا الوقت بالذات الذي تستعد فيه تونس لموعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي... وكان القضاة الاداريين ونقابة أعوان وموظفي المحكمة الادارية ونقابة القضاة التونسيين قد أصدروا أول أمس 3 بيانات استنكروا فيها الطريقة الفجئية لاقالة غازي الجريبي. «الشروق» التقت قضاة من المحكمة الادارية واستمعت الى مواقفهم. إهانة... وتشكيك أول ما ندّد به قضاة المحكمة الادارية هو طريقة إقالة غازي الجريبي والتي وصفوها ب«المهينة» حيث تم إعلامه بالقرار عن طريق مسؤول بالوزارة الأولى وكان من المفروض أن يتم اعلامه من الوزير الأول لأن رئيس المحكمة الادارية هو رئيس القضاء الاداري وهو بمثابة وزير العدل (رئيس القضاء العدلي)... ومن جهة أخرى قال المتحدثون إن توقيت الاقالة يطرح الشكوك حول نزاهة واستقلالية القضاء الاداري ورئيسه غازي الجريبي بما أنها تتزامن مع حملة الاتهامات الموجهة لسلك القضاء بشكل عام وهو ما يوحي أن رئيس المحكمة الادارية «فاسد» و«تتعلق به تهم رشوة»، وهو أمر غير صحيح حسب ما ذكره قضاة المحكمة الادارية. نزاهة وكفاءة يعتبر غازي الجريبي على حد قول قضاة المحكمة الادارية مشهود له بالنزاهة، فطوال الاشهر الثمانية الماضية لم يشكك في نزاهته واستقلاليته أحد ولم يرفع ضده أي طرف سياسي أو من المجتمع المدني قضية في الفساد... وهو على حد قولهم من أصلح بشكل كبير منظومة القضاء الاداري منذ توليه رئاسة المحكمة الادارية في جانفي 2007 حيث تقلصت في عهده مدّة البت في القضايا ابتدائيا واستئنافيا وتعقيبيا وهو من تجرأ قبل ثورة 14 جانفي على فتح ملفات كانت مخبّأة في «الخزانة السوداء للمحكمة» ونظر فيها على غرار قضايا متعلقة بمعارضين سابقين في عهد بن علي (سهام بن سدرين، راشد الغنوشي...) وقضايا انتخابات المجلس الاعلى للقضاء... كما يشهد له الأعوان والموظفون بنزاهته في تسوية كل الملفات المهنية بلا استثناء. ضرب للانتخابات؟ أجمع من تحدثنا اليهم من قضاة المحكمة الادارية على كفاءة ونزاهة واستقلالية الرئيسة الجديدة للمحكمة السيدة روضة المشيشي. غير أنهم اعتبروا أن اقالة السيد غازي الجريبي من رئاسة المحكمة قد تكون له علاقة بالتشويش وبارباك دور المحكمة الادارية المنتظر خلال الفترة القادمة في العملية الادارية. فكما هو معلوم، أسند القانون للمحكمة الادارية مهمة البت في 75٪ من القضايا والنزاعات ذات العلاقة بانتخابات «التأسيسي» (نزاعات قائمات المترشحين نزاعات الحملة الانتخابية نزاعات النتائج النهائية) وهو ما يعني أهمية الدور الموكول الى المحكمة الادارية في هذه الفترة بالذات. لذلك فإن قضاة المحكمة الادارية انتابتهم الشكوك على حد تعبيرهم من أن يكون قرار تغيير رئيسهم له علاقة بهذا الأمر وهو ما قد يشكل خطرا كبيرا على حسن سير العملية الانتخابية وعلى هذا الاساس، فإنهم يطالبون بمقابلة الوزير الاول شخصيا حتى يستمع اليهم مباشرة ويبلّغوه وجهات نظرهم. فالقضاء الاداري في نظرهم هو الوحيد الذي لم يركب على الثورة وهو الجهاز الاكثر مقاومة للاستبداد خلال العهد البائد وهو الأقل بروزا على الساحة الاعلامية بعد الثورة (عكس أغلب القطاعات الاخرى الحساسة في الدولة).