أثارت الدعوة إلى الاستفتاء تبايُنا في الآراء بين مختلف الفاعلين السياسيين، وكان التباين ملحوظا حتى لدى رجالات القانون الدستوري. «الشروق» وضعت الأستاذين قيس سعيّد (الرافض للاستفتاء) والصادق بلعيد (الداعم للاستفتاء)، وجها لوجه، فكان هذا الجدل..... الصادق بلعيد: أنا مع الاستفتاء ولكن... النظرية التي توصلت اليها اليوم هي ان الاستفتاء المطروح فات أوانه فكم بقي على موعد الانتخابات أي انه قد فات وقت اعداد الاستفتاء واجرائه. الأمور تغيرت وانا قدمت فكرة الاستفتاء يوم 7 أوت في مقال كتبته في احدى الصحف ردا على الامر الرئاسي الذي نشر يوم 4 أوت. وعندما لم أجد أي تعليق على المقترح قمت بكتابة مقال آخر يوم 15 أوت ثم مقال آخر يوم 21 أوت وأسميته التأسيسي عمليتان في نفس الوقت وطالبت بصندوقين للاقتراع الأول لانتخابات المجلس التاسيسي والثاني للاستفتاء لكن النصوص الثلاثة تم تجاهلها وهو ماجعلني أقول ان هناك مؤامرة ضمت لافراغ الاستفتاء من محتواه ومن امكانية اجرائه فالحكومة والهيئة والاحزاب لم يتكلم أحد عن المقترح حتى جاءت كتلة من الهيئة والحكومة والأحزاب وقالت انه لم يعد من الممكن إجراؤه بتعلة انه لم يعد هناك وقت لاجرائه. الآن أصبح من شبه المستحيل القيام بالمهمة إلا إذا قمنا بتأخير الانتخابات وهو مالا يقبله أي أحد. الحكومة قامت بمشاورات لكن بطيئة والهيئة العليا سكتت ثم قال رئيسها ان الأمر غير ممكن وأمس الأول قيل ان الهيئة اعتمدت كلام رئيسها هذا اضافة الى موقف الأحزاب بحيث ان مؤامرة الصمت التي تحدثت عنها أثبت وجودها اليوم. انا ممن سبق كل الناس الى الحديث عن الاستفتاء وانا اقول اليوم إنه وتحت مسؤولية الأطراف المذكورة أصبح غير ممكن. وفي الوقت الحاضر هناك اقتراح آخر فالاستفتاء يبقى مجرد وسيلة لمعرفة رأي الشعب في مسائل جوهرية منها تحديد مدة المجلس التأسيسي وتحديد مهامه فنص 4 أوت يقول ان مهمته تحرير دستور لكن هناك العديد من المسائل التي لم يتطرق اليها النص ومنها العملية التشريعية العادية. المسألة الثانية هي كيفية المصادقة على الدستور بعد اعداده من قبل المجلس بلا يمكن ان يعد المجلس دستورا ويصادق عليه ايضا وفي تلك الحالة سيمرر الاغلبي في المجلس ما أراده هو في الدستور لذلك أرى وجوب عرض مشروع الدستور على الاستفتاء. كما يجب ان نعرف من سيحكم البلاد بعد انتخاب المجلس؟ لأن هناك من يقول انه سيصبح الماسك بكل السلط وهو ما يجعلنا قد جمعنا كل السلط في يد واحدة مرة أخرى وعدنا الى حقبة الدكتاتورية وهذا غير ممكن. يجب أن نجد وسائل بديلة للاستفتاء لحل هذه المسائل ومن بينها الضغط من قبل المجتمع المدني والدفع مثلا نحو اتفاق وطني بين كل الأطراف على تقاسم السلطة حتى نخفف على المجلس التأسيسي مهامه التي تكون حينها منحصرة في إعداد الدستور. قيس سعيد: إلى أي استفتاء تدعون؟ الأمر لا يتعلق بالقانون أو بالمشاكل الفنية فحسب بل يتعلق باختيار سياسي فالقانون دوره تجسيد الخيارات السياسية، ثانيا هل ان الذين تظاهروا مطالبين بالاستفتاء يعرفون مضمونه؟ وما هي الأسئلة التي ستطرح؟ وما هي الأوضاع التي ستترتب عن امكانية الاجابة ب «نعم»؟. ثالثا تم الاتفاق على وضع دستوري جديد لتونس للقطع نهائيا مع الاستبداد ومع الوصاية ويفترض ان يكون المجلس التأسيسي معبرا عن الارادة الشعبية فلماذا اللجوء الى او الدعوة الى اللجوء الى الاستفتاء في هذه المرحلة؟ رابعا يبدو ان الذين صنعوا استقطابا مصطنعا واسقطوه اسقاطا منذ الايام الأولى بعد 14 جانفي بين اسلاميين من جهة وحداثيين من جهة اخرى ووضعوا قانونا انتخابيا بناء على هذه الإصطفافات التي لا علاقة لها بمطالب أغلب التونسيين تعاظمت هواجسهم وزادت مخاوفهم وبدؤوا يشعرون بأن نتائج الانتخابات يمكن ان تكون على غير ما تم تصوره. خامسا حينما تمت الدعوة الى تنظيم استفتاء حول طريقة الاقتراع «اقتراع على الأفراد أو اقتراع على القائمات» وهي مسألة في منتهى الاهمية بالنظر الى تبعاتها المتعلقة بتركيبة المجلس التأسيسي ومحتوى الدستور القادم لتونس تم الاستخفاف بهذه الدعوى بل وأكثر من ذلك تم استهجانها وقيل ان تونس ليست لديها الاعتمادات لتنظيم مثل هذا الاستفتاء أما اليوم فيبدو ان الاعتمادات صارت ممكنة لتنظيم مثل هذه الاستشارات. سادسا ان دعاة الاستفتاء كأنهم اليوم يفترضون ان الشعب لو نظم هذا الاستفتاء سيجيب ب «نعم» وهو ما يذكرنا بكل الاستفتاءات التي وقعت في الدول التي طوعت هذه الأداة التي يفترض ان تكون أداة للتعبير عن الارادة الشعبية الى أداة للسطو على هذه الارادة. نقطة اخيرة: القائمات التي ترشحت وقد تم اغلاق الترشحات قد ترشحت على أساس وضع قانوني محدد ولو تم تنظيم الاستفتاء فستتغير الأوضاع القانونية التي تم تقديم الترشحات على أساسها.