قد لا نجانب الصواب إن اعتبرنا أن بيان وزراء خارجية الدول العربية الصادر أول أمس يعدّ أخطر بيان من ناحية الدلالات السياسية والاستراتيجية يصدر عن الهيكل الإقليمي خلال السنوات العشر الفائتة. بيان وزراء الخارجية العرب وبعيدا عن لغة الوعيد والترهيب لدمشق جاء مثقلا ب«أفق» «الاصطفافات العربية الجديدة القديمة» وحاضنا لطبيعة المشاريع التي ستشق المنطقة العربية في المستقبل القريب. أولى الملاحظات الشكلية تتمثل في ترك «دولة فلسطين» رئاسة الجامعة العربية الدورية إلى قطر دون استشارة بقية الأعضاء... أما الملاحظة الثانية فتكمن في توسيع محاور التباحث من محوري «استحقاق أيلول» – ويا له من استحقاق بعد ستين سنة نضال – إلى مسائل الوضع في البحرين والتدخل الإيراني في شؤون الخليج العربي حسب ما يقولون. وما بين الملاحظتين، ينكشف دور خليجي جديد صلب جامعة الدول العربية يحدد مسائل اجتماعاتها ويضبط لهجة بياناتها ويوزّع «الثناء» والإطراء على من يريد من الأقطار. بإمكان القارئ الدقيق لبيان وزراء الخارجية العرب الجديد أن يلاحظ ثلاثة ملامح خطيرة جدا: الأول: عدم حضور صوت الدول القومية العروبية المدافعة عن استقلالية الدول وسيادتها في مقابل «تغول» لخطاب الاستقواء بالخارج... وهذا نتلمسه من استعمال مصطلحات من قبيل الإصلاح الفوري والاني ووقف «الالة الحربية السورية» ضد الأبرياء العزل. الثاني: التطابق شبه الكلي بل الحرفي بين هذا البيان وبيانات مجلس التعاون الخليج العربي سواء على مستوى الملف السوري أو على صعيد الدور الإيراني في المنطقة. الثالث: توجيه بوصلة العداء والتنديد لعدو مفترض متشكل في «إيران» مقابل غض النظر عن السياسات الأمريكية والإسرائيلية وحتى التركية في المنطقة. حيال كل هذه المقدمات، تصبح بيانات مجلس التعاون الخليجي إرهاصا محدّدا لاتجاهات الرأي الدولي والقرارات الدولية ضد أي من الدول... . هنا تعود بنا الذاكرة إلى الملف الليبي حيث فرضت منطقة الحظر الجوي على ليبيا بقرار من مجلس التعاون الخليجي قبل تفويض جامعة الدول العربية لمجلس الأمن بذات الأمر. وبهذا المعنى، يتحول الخليج ومن ورائه القوى الإمبريالية إلى صانع للمشاريع السياسية والاستراتيجية في العالم العربي برمته، انطلاقا من استناده إلى مكامن قوى ثلاث: الإعلام الدعائي شبه الإخباري، النفط والغاز الطبيعي، التحالف العضوي والاستراتيجي مع الإمبرياليات العالمية. كل ما تقدّم يفسر الأسباب التي جعلت مجلس وزراء الخارجية العرب يستنسخ ذات بيانات مجلس التعاون الخليجي ولا يخالفها في أية نقطة. فقد أدان العنف ضد المتظاهرين العزل في سوريا وأثنى على سياسات ملك البحرين الحكيمة ضد المتظاهرين والتي وصلت إلى حد استقدام قوات خليجية من أجل تهذيبهم. كما كال المديح لخطوات المنامة الإصلاحية بحضور ومباركة قوات درع الجزيرة – فيما غض الطرف على جلسات الحوار الوطني في سوريا وكل الإجراءات الأخرى. كما نبه إلى خطورة التدخل الإيراني في الشؤون العربية الخليجية في مقابل التصفيق الحار لرجب طيب أردوغان الذي هدد مساء إصدار بيان وزراء الخارجية العرب، وزير دفاعه بشن حملات عسكرية برية شمال العراق وإنشاء قواعد عسكرية دائمة في تلك المنطقة التي نظن أنها ما تزال جزءا من جغرافية العرب. كما حذر من خطورة الدعاية الإيرانية الإعلامية ضد الخليج تزامنا مع السكوت عن الحملات الإعلامية الرسمية ضد سوريا. ولأن أفضل دلالات العجز تتمثل في الصمت، فإن الصمت المطبق حيال «نشر تركيا لجهاز رادار الأطلسي» على أرضها لمزيد خنق سوريا وروسيا وإيران وللسماح لإسرائيل بمزيد التحرش بلبنان وبفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية تزيدنا قناعة بهوية جامعة الدول العربية الجديدة. المشهد في سوريا واضح، والانتهاكات أيضا واضحة ولن نتردد مرتين في دعم مطالب المتظاهرين السلميين طالما أنها تندرج تحت سقف الدولة الممانعة والمقاومة وغير الطائفية, ولكن المشهد الإقليمي والدولي متلبس بأكثر من دور ومخطط خارجي يريد الاستناد إلى الحراك الداخلي السوري من أجل تغيير الخارطة السياسية والاستراتيجية في المنطقة وتحويل الصراع من صراع ضد الصهيونية والإمبريالية إلى صراع مذهبي مقيت... وهنا نقول للمنتفضين في سوريا احذروا مؤامرات تحويل الثورات العربية الحرة إلى ثورات شبيهة بثورة «الأرز» في بيروت تعمل على استباحة لبنان ونزع سلاح مقاومته أو إلى ثورات شبيهة بالثورات الملونة في أوروبا الشرقية يكون شعارها دحر الخط الاستقلالي الروسي وإحلال الأطلسي مكانه.