تضمّن الجزء الأوّل من المقال الذي نُشر في عدد يوم أمس حديثا عن « قراءة أوّلية للإسلام السّياسي في تونس»، في ما يلي الجزء الثاني والأخير من هذا المقال: شروط العمل السّياسي ومُقتضياته: وهذا يقتضي منّا تَبَيُّنَ الحدود الفاصلة بين العمل الدعوي والسياسي، لندرك ويدرك النّاس أين تقف مساحة العمل الدعوي لتبدأ مساحة العمل السياسي والعكس صحيح؟ وما هي طبيعة كل من هذين المجالين؟ كذلك نحتاج أن نحدد موقفا واضحا من السلطة ؟ كيف تكون العلاقة بها؟ ما هي شروطها ومستلزماتها؟ نحتاج أيضا أن نحدد موقفا من المعارضة المتعددة التوجهات والأجندات، حالة، حالة. ولكن من حقنا أن نوفر لأنفسنا فرصة نستجمع فيها أنفاسنا وقوانا الذهنية والعلمية لنتأمل تجربتنا ونطرح على أنفسنا الأسئلة الصحيحة ليكون البناء فيما بعد قائما على أسس سليمة. يجب أن نعمل بكل ما أوتينا من جهد لنضع حدّا لكثير من المواجهات المغلوطة بين الدّولة وجزء مهم من شعبها من ذوي التوجه الإسلامي . فالأصل والخيار الصحيح والأسلم وطنيّا هو أن تصطلح الدولة مع كل التونسيين ولا تستثني منهم أحدا إلا من استثنى نفسه. فالمعالجات الأمنية لا يمكن أن تؤدي إلى حلول جذرية ، شاملة وعميقة ، تعود على البلد بالأمن والإستقرار والتفرغ للمعركة التنموية . كما أن عقلية القطيعة والمعارضة الآلية للدولة ومن يمثلها هي خطأ سياسي،بل واستراتيجي فادح. فالتوافق على آليات ديمقراطية حقيقية ولو بالتدرج بين مختلف الأطراف الوطنية والقوى الحيّة في البلاد كفيل بتفعيل المنافسة الإيجابية لخدمة البلاد والعباد والصالح العام المشترك . ولعل من بين هذه الآليات ،التوافق على ميثاق وطني جديد لا يستثني أحدا يكون خارطة لطريق الإصلاح والمصالحة الوطنيّة الشاملة. المراهنة على هذا الخيار الحضاري من منطلق مبدئي لن يكون إلاّ في صالح كل الأطراف الوطنيّة ،شعبا وحكومة ومجتمعا مدنيّا وقوى حيّة. وما أدعو إليه كمناضل مستقل ومُحب لبلاده هو الانخراط في هذا التوجه العام الدّاعم لكل التوجهات الوطنية والسياسات الإيجابية سواء على المستوى التنموي والاجتماعي أو السياسي أو الثقافي ،والناقد لكل التوجهات الخاطئة ولكن بأسلوب هادئ ورصين ومُقنع. لا نريد أن نعارض من أجل المعارضة،ولا نريد أن تكون معارضتنا ردودا للأفعال،بل نريدها وإن كان لا بد ،أن تكون نقدية بناءة،لا عدميّة عرجاء .... وتجسيدا لهذه الإرادة الإصلاحية، وتكريسا لفكرة التعددية داخل التّيار الإسلامي العريض أدعو كل المؤمنين بهذا التوجه،كخطوة أولية لكسر استقطاب التيار الإسلامي من طرف سياسي واحد إلى تنظيم ندوة وطنية عامة تكون منفتحة لكل من يجد نفسه في هذا التيار للحوار الجاد حول جملة الإشكاليات المطروحة في الوقت الراهن. فالتعددية، ولو كانت في نفس العائلة الفكرية والسّياسيّة، هي على عكس ما يعتقد الكثير من النّاس، هي آلية تفسح المجال واسعا للاجتهاد متعدد الأبعاد، وهي بالتّالي فرصة لتعدد الخيارات وتنوعها. فالتعددية إذا ما كانت بنّاءة وقائمة على أسس سليمة ومؤسسات راسخة، فلن تكون إلاّ في خدمة المواطن والوطن. وهي بهذا الشّكل ستدفع كل الأطراف الوطنيّة إلى التنافس النزيه في ما بينها لخدمة البلاد والعباد، كما أنّها ستكون عائقا قانونيّا وديمقراطيا لأي طرف سيّاسي تطلّع إلى التّغوّل والإنفراد وممارسة الاستبداد. أرجو ان يجد هذا المقترح لديكم قبولا حسنا، وأن يكون التفاعل إيجابيا، لنتعاون في ما بيننا على خدمة بلادنا واستشراف المستقبل، بعيدا عن ضغوطات اللحظة الراهنة واكراهات العمل السياسي اليومي. فالانصراف إلى العمل الجّاد،دينا وعقلا ومصلحة، أولى من الاستقالة أو ردود الأفعال والدوران في الحلقة المفرغة وإهدار سنوات العمر القصير في ما لا يعني. باريس 1/9/2011 بقلم: مصطفى ونيسي