لا يجوز طبعا الطعن في حق المجموعات السياسية العلنية المتواجدة على الساحة بموجب تأشيرات رسمية والمتمثل في الإعلان عن مواقفها والبلاد على أبواب موعد انتخابي مزدوج هو موعد 24 أكتوبر المقبل تاريخ دعوة التونسيين للإنتخابات الرئاسية والتشريعية. على العكس فإن كل التشكيلات على مختلف تلويناتها مطلوبة في مواقف واضحة مبنية على معطيات عليها أن تقوم بشرحها لبيان أسس خياراتها بكامل الوضوح وبعيدا عن كل لبس. فذلك مبرر وجودها. المعنيون كثيرون لكن ما قد يكون وجيها عدم اهماله بل اعتباره بصفة جدية هو أن الفئة السياسية أو بصفة أدق الشرائح المسيسة لا تنتمي كلها للمجموعات المحيطة الآن بالمتصرفين الحاليين في شؤون الأحزاب. فهناك أيضا على الساحة كوادر سياسية مستقلة تنظيميا وأخرى منتمية الى عائلات وتيارات الفكر والعمل السياسي. وهي ما زالت متمسكة بما لا يمكن أن يطمسه «قرار» أو تعتم عليه مناورة حاولت أن تهدف إلى الاستبعاد. فالمسألة تفرزها أولا الارادة الفردية والطاقة على اعطاء تلك الإرادة أبعادها ومظهرها الصحيح الجاد، ثم يحدد كيانها مدى تفاعل جمهور المهتمين بالشأن السياسي معها. هذه الفئة سيكون لها رأي أو آراء في كل ما يعايش من أحداث وطنية وعربية ودولية. بل إن المحطات الهامة في مسيرة البلاد تفرض عليها أن تكشف عن مواقعها، لا فقط لأنها جزء من النخبة ومراكمة لتجربة تدفع جزءا من الرأي العالم للإستئناس برأيها بل خصوصا لأن مواقع اعضاءها تترك لهم المساحة اللازمة للتطرق الموضوعي للملفات الجادة. المعطيات إلى حدّ الآن الكل يعلم أن الرئيس بن علي هو مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي ومجمل الهياكل المحيطة به وذات الصلة. هذا وكان قد أعلن كل من بوشيحة والباجي عن نيتهما في التواجد كمترشحين. والغالب على الظن أنّ لا مانع يشملهما نصا. من ناحية أخرى، تأكدت تقريبا الأوساط السياسية والملاحظون أن حركة التجديد سيكون لها مرشح وهي تسعى الآن الى نسج ما تريده حزاما من المستقلين حوله بعد أن رفضت أحزاب أخرى دخول هذا الحلف وتبني هذا الخيار الذي تتيحه قانونا شروط الترشح. كما أننا نعلم أيضا أن الأستاذ الشابي مصر على الاعلان عن ترشحه رغم أن الشروط القائمة لا تمكنه من ذلك. إلاّ أن هذا الإصرار لدى الحزب الديمقراطي التقدمي يستند الى أن المسألة سياسية ولها بعد رمزي ولنا أن نفهم أن هناك اشارة واضحة في ارادة التحسيس بتأهيل لزعامة المعارضة لكن مواقف الحساسيات الأخرى التي ينسق معها مغايرة بل أن لكل حساسية رأي مختلف عن آراء الأخريات وهو ما يصنع على الطاولة ظاهرة جديدة للدرس هي «الاختلاف في اطار الاختلاف هل من معنى للتنسيق تحت هذا اللواء؟». حدود التنسيق هذه التعددية في الآراء تجاه ما أصبح يصطلح على نعته بالاستحقاق الانتخابي لئن كانت تكرس حق التباين فهي إلى حد الساعة لم تتوصل الى اتفاق عملي ملموس والتجربة الأخيرة تحديدا تفند ما كان يشاع من أن التدخل في شؤون الأحزاب هو مرد اجهاض كل عملياتها التنسيقية والتحالفية. هذا التفسير اتضح أنه مجانب للحقيقة بنسبة معتبرة وأنا أرتكز على المبادرة التنسيقية التي امتدت على مر أشهر طويلة ولم يخطر ببالي ولو للحظة أن اتحدث عن اللقاء الذي قيل بشأنه أنه تحوّل الى «جلسة شاي». مبادرة غير تقليدية.... ما أريد أن أخلص اليه على أساس ما ذكرته آنفا هو أن الشريحة المسيسة غير الموالية للقائمين حاليا على شؤون الأحزاب تظل صاحبة حق في التعبير عن رأيها والتعريف به ومحاولة توسيع رقعة الإعلام والتحسيس به وبمبرراته وتباعا، يصبح مفيدا متى توضحت الصورة بما فيه الكفاية وبلورت مجموعة الكوادر السياسية موقفا موحدا أن يتم الاعلان عنه بكل الوسائل المتاحة كموقف وكمعطيات ساهمت في التأسيس له. أعتقد أن المطلوب هو أن يكون هذا الموقف سياسي الطبيعة والتمشي التحليلي المفض له بل ويتأسس على عناصر تستمد ماهيتها من متطلبات التقدم الوطني والرفاه الشعبي وفي علاقة عضوية بقضايا الهوية والحرية والتفتح. كما يتعين أن يأخذ الموقف بعين الاعتبار المعطيات الواقعية للتحليل وللإستشراف فلا فائدة تجنى من زرع الأوهام الطوباوية. وهو ما لا يعني البتة نسف الطموحات أو تكبيلها لأنها تمثل التفاؤل الذي هو محرك العمل من أجل الأفضل. لا بدعة في المبادرة إن هذا التوجه أي دخول تيار سياسي متعدد المشارب وغير مهيكل «على الخط» لا يمثل ممارسة مترسخة في ربوعنا. لكن الأمر لا يمثل بدعة وهو شيء دارج في بلدان أخرى حيث تتعدد في فترات الأحداث الهامة ومن ضمنها المواعيد الانتخابية اسهامات المهتمين بالشأن العام من السياسيين أو المثقفين أو الكفاءات من مختلف التخصصات. وقد يكون مفيدا قبل اقفال المساهمة التذكير بأن أعمق السلوكات سلبية في مثل هذه الحالات هو التنصل من كشف الرأي للبقاء في موقع مغالط لكل الأطراف وللإبقاء على هوامش المناورة في وضعية مفتوحة للتقلبات على أساس عذرية مصطنعة لا يجوز أن تكون مقبولة على الأقل في مثل هذه المسائل. * عدنان بلحاج عمر ملحوظة : ورد هذا المقال من الوجه السياسي المعروف السيد عدنان بلحاج عمر مساهمة منه في المناقشات التي أثارتها «الشروق» خلال الأسبوع الفارط حول المعارضة والانتخابات، وهي مناقشات شاركت فيها وجوه عديدة وتشمل عديد الأطراف