صور المترشحين وبياناتهم.. معلّقة في كل مكان.. تونس بدأت تتجمّل بالتنوّع.. اليساريون والاسلاميون والقوميون والليبراليون والمنبتون إيديولوجيا يزيّنون الأماكن التي أكلتها الوحشة والظلمة علي مدًى يفوق نصف قرن. كم شعرت بجمال وطني، وكم أصبحت أحبّ تونس، عاش بلدي وعاش أبناد بلدي يمينا ويسارا ووسطا. أمس لم تتدخل ميليشيات التجمّع المنحل وعصابات بن علي لتمزيق أوراق خصومهم كما جرت العادة، حتى خصومهم الموالين لم يسلموا من سلوكهم الاقصائي. تيارات وأحزاب وتنظيمات كان مجرّد ذكرها يمثل جريمة مثل «البوكت» و«النهضة» و«الوطد».. اليوم أصبحت زينة هذه الأرض وعطرها. أرض ارتوت جدا بدماء شهدائها.. مازالت دماد المحرّرين لهذا الوطن منتشرة على الجدران.. وحي الزهور يشهد على ذلك. الآن فقط أشعر أني مشروع مواطن بعدما كنت من رعايا دولة مارقة ما أروع الشعور بحب الوطن.. وكم حرمونا من هذا الحب. لم نستمع هذه المرة، لاسطوانة بن علي القائلة عن خصومه «إن في قلوبهم سوادا ونفوسهم مريضة» وانهم «اغتاظوا لنجاحات تونس وصورتها الناصعة» وإنهم «يريدون تشويه صورة تونس في الخارج» وطبعا صورة تونس في الخارج لا يُقصد بها إلا صورة بن علي. لم نعد نسمع عن «صانع التغيير» وعن شمس التغيير التي أحرقته وعصابته وعن معجزة تونس وحكمة رئيسها وفلسفته وثورته الهادئة ولم نعد نسمع شيئا عن صندوق التضامن العالمي وتبنّي الأممالمتحدة لمبادرات سيادة الرئيس حتى أنهم علّقوا مرة على صورة يقف فيها بن علي مع بوش بالقول «بوش يستمع بانتباه لحكمة سيادة الرئيس». هرب بن علي وانقشع الظلم والقمع وأصبح بالامكان أن نكتب ونتنفّس، أصبح بالامكان أن نكتب ضد الوزير الأول وضد الحكومة وحتى ضد رئيس الجمهورية وضد البوليس لم نعد نخشاهم. لم نعد نخشى جبروتهم، فقط، بيت واحد في بلدي يخيفني.. إنه الشباك الموحّد، نعم الشباك الموحّد، أعني أولئك الذين جعلوا من أقلامهم وأصواتهم وأكفهم كالشراع، توجّهها الريح يمينا وشمالا.. هم وحدهم يصنعون الظلام، وهم وحدهم قادرون على صناعة من ينتعش عندما يقال له «أنت أو لا أحد».. فيصبح وحده دون سواه.. إنه الدكتاتور. الشوارع والأنهج والأزقة ومفاصل المدينة وتفاصيلها.. تقول ان الدكتاتورية لن تعود، فالصورة كثيرة الألوان، متنوّعة ما أجملها.. عاش بلدي.. عاش المختلف.