«بعد ان يئس من مراسلة كل الجهات المختصة طلبا لارجاعه الى عمله وجّه مغربي رسالة الى سفاح صبرا وشاتيلا رئيس وزراء اسرائىل الحالي ارييل شارون يلتمس فيها المساعدة... وقضت عليه احدى محاكم مراكش اخيرا بالسجن عامين». (الشروق 08072004). ان تصرف هذا المواطن المغربي لم يكن تصرفا شاذا ولا غريبا لأننا نحن العرب اعتدنا الالتجاء الى الاجنبي حتى وان كان عدوّا لحل مشاكلنا مهما تكن بسيطة فكم استعنّا بقوات اجنبية للدفاع عن اراضينا وكم صارت اراضي العرب قواعد لتلك القوات وكم من مشكل عربيّ بسيط لا معنى له صار معقدا لأن «البرانيّة» والغرباء الأعداء تدخلّوا او فسحنا لهم المجال لان يتدخلوا فعقدوا المسألة البسيطة فغدت بلا حل وكم «تطاوس» بعضنا على بعضنا و»تقاوى» بعضنا على بعضنا بفضل عسكر غير عسكرنا وقوة غير قوّتنا، بل وصل الامر الى حدّ ان احدهم هدد دولا مجاورة لبلده (تتمركز فيه قوات اجنبية محتلة) بأن يطلب من تلك القوات الاجنبية التي يفتخر بوجودها في بلده ان تهاجمها (الدول المجاورة) وتنفّذ ضدها ضربات عسكرية موجعة، فماذا فعل هذا المواطن المغربي امام ما فعله ويفعله غيره من العرب؟! وماذا اقترف هذا المواطن المغربي من ذنوب واخطاء (سنرى بعد قليل انه اقترف خطأ واحدا ولكن ليس في هذا السياق) امام ما اقترفه ويقترفه العرب من ذنوب واخطاء؟! فتصرّف هذا المواطن المغربي ليس إلا صورة مصغّرة ونموذجا بسيطا مما يقع ويجري في امتنا العربية!! ولذا لم يثرني تصرّفه بقدر ما اثارني امر آخر (هو على علاقة بذلك التصرّف) وهو ان شارون المجرم السفاح المحترف يتوفر على حظ جيّد و»زهر يكسّر الحجر»، واني لأغبطه على ذلك فعلا بل إني لأحسده لانه صار مقصدا لمن يشعرون انهم مظلومون ومقهورون!! وأية شهادة افضل من هذه يريدها شارون؟! واي شرف افضل من هذا ناله ارييل؟! فهذا المواطن المغربي تجاهل كل الزعماء والرؤساء في العالم وفضّل عليهم شارون الذي من حقه الآن ان يتفاخر بعد ان اصبح مصلحا اجتماعيا وحلاّلا للعُقد والمشاكل. وليس غريبا ان نسمع يوما ان «المصلح» شارون قد اصدر كتابا يتضمّن آخر نظرياته المبتكرة حول افضل الطرق والوسائل للاصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وانجع الحلول المستحدثة للقضاء على كل العقد والمشاكل، كما انه ليس غريبا ان نسمع يوما ان السفاح «الطيّب» و»الناس ملاح» فتح مكتبا في تل ابيب لاستقبال رسائل المواطنين من جميع انحاء العالم يضمّنونها مشاكلهم التي عجزوا عن ايجاد حلّ لها و يطالبونه بفضها وحلّها والتدخل لدى من يعنيهم الامر من اجل ذلك. وليس غريبا ايضا ان نشاهد يوما ما ومضات اشهارية يطلقها شارون في الفضائيات والصحف العالمية يحثّ فيها الناس على الاتصال بالموزع الصوتي الخاص بالاستماع الى مشاكلهم والبحث عن حلول لها. وتساءلت بيني وبين نفسي: ما هي يا ترى المشاكل التي يمكن ان يعرضها الناس على مكتب شارون سواء بواسطة الرسائل أو عن طريق الموزع الصوتي؟ واذا ما تصفحنا تلك الرسائل واستمعنا الى مكالمات الموزع الصوتي فسنجد ما يلي: احدهم اتصل بشارون طالبا منه ارسال احدى جرافاته التي تعوّدت هدم البيوت الفلسطينية حتى يهدم بيت احد جيرانه بعد ان اتهمه بالاستيلاء على جزء من ارضه الخاصة... رجل اعمال ثري جدا أراد اشتراء قطعة ارض من عند احد الفلاحين ليقيم عليها مشروعا صناعيا ضخما ولكن الفلاح رفض التفريط في ارضه على الرغم من الاغراءات المالية ولذلك استنجد رجل الاعمال بشارون ليدلّه على الطريقة المثلى للاستيلاء على تلك القطعة من الارض مهما يكن الثمن ومهما تكن الوسيلة بما ان شارون «قديم» في مثل هذه المسائل و»ماضي فيها»... احدى العصابات المحترفة في القتل اتخذت من احدى القرى موطنا لنشاطها وكانت لها عداوات شديدة مع مجموعة من الأهالي مناوئة لها فاتصلت بأرييل شارون مستجدية اياه ان يرسل صاروخا ليدكّ به المقرّ الذي تتلاقى فيه تلك المجموعة... زوجة لها مشاكل عديدة مع زوجها وتكرهه كثيرا وتبغضه شديدا استشارت شارون حول الطريقة المثلى لفكّ الارتباط مع زوجها والانسحاب من بيت الزوجية الذي صار كالجحيم لا يطاق انسحابا احادي الجانب كما استشارته حول افضل الوسائل وانجعها لترك الخراب والدمار وراءها في البيت... احدى العائلات استولت على ارض تابعة لأملاك الدولة واقامت عليها ثلاثة منازل ولكن المصالح المختصة طالبتها بإزالة تلك البيوت الثلاثة والانسحاب من الارض التابعة للدولة ولذلك اتصلت تلك العائلة بشارون عارضة عليه ان يمدّها بالحل الأنسب للمحافظة على الارض وما عليها وعدم الانسحاب منها... فلاح اصابت الاوبئة منتوجه ولكن مزروعات جاره بقيت سليمة فاتهم الفلاح الجارّ في ما اصاب منتوجه ولذلك اتصل بشارون ليرسل اليه جرافاته التي اعتادت تجريف الاراضي الفلسطينية حتى ينتقم من جاره فيتلف له مزروعاته.. ان تلك الطلبات تبرز مدى عبقرية شارون وتميّزه كما تبيّن المجالات الذي تخصص فيها وهكذا بالامكان ان نستنتج ان المواطن المغربي اخطأ العنوان (هذا هو خطؤه الوحيد) حينما اتصل بالسفاح والجزّار البشري شارون لأن مشكلته ليست من تخصصه ولن يقدر على فعل اي شيء فما اعسر على شارون ان يعيد رجلا الى عمله وهو الذي يفصل يوميا آلاف العمال الفلسطينيين عن اعمالهم ويحاصرهم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بل هو الذي يفصل يوميا عن طريق القتل المتعمّد ارواح عشرات الفلسطينيين عن اجسادهم، وعلى الرغم من ذلك نقول ما اوفر حظ شارون ولا شك ان نتنياهو وباراك وبيريز وشالوم وبوش وبلير قد اصابتهم الغيرة السياسية العمياء لأن لا احد تذكّرهم وعرض عليهم مشكلته (لعلهم يستفيدون في مستقبلهم السياسي) ولكن الدنيا حظوظ والدنيا «سعود وليست تعرية زنود»..