حكومة ائتلافية، حكومة وحدة وطنية، حكومة انتقالية، وحتى حكومة مصلحة وطنية كما تردّد مؤخرا على لسان السيد مصطفى بن جعفر... تعدّدت التسميات لكن المعنى واحد. والسؤال الذي يتداوله الشارع السياسي الآن لا يخص التسمية، بل مسمى الشخصية التي سترأس الحكومة. وفي هذا الصدد تطرح عدة سيناريوهات لما بعد 23 أكتوبر. فمن قائل بأن السيد الباجي قائد السبسي سيقع تثبيته في منصبه الحالي، الى زاعم بأنه قد يرتقي الى سدّة الرئاسة. وإذا كانت مثل هذه الفرضيات ممكنة، الآن الثابت بأن نتائج انتخابات 23 أكتوبر، بنسبها، وتحالفاتها وكتلها سوف يكون لها تأثير كبير في اختيار رئيس الحكومة، هذا إذا لم تكن لها الكلمة الفصل، وهي كلمة لن تكون فاصلة وحاسمة الا حسب نسب انتخابية معيّنة، تخصّ أطرافا بعينها تقطع الطريق أمام المعطى الأول (وهو معطى التأثير في الاختيار) المقترح على تدخّل عدة أطراف في تثبيت اسم رئيس الحكومة، وهي أطراف من خارج المجلس التأسيسي وربّما أيضا حتى من خارج الحدود. وإذا كان بديهيا ان الارقام الانتخابية هي التي تحدد مآلات رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة في أي بلد الا أنه وفي الحالة التونسية، وأمام كثرة القائمات، فإن النسب قد لا تعكس بالضرورة بديهة المآل. وقد لا تقود بالحتمية الى تطبيق القاعدة. أي قاعدة تحكّم النّسب في تركيبة الدولة. وفي هذا الصدد يطرح اسم السيد مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي الحالي كأحد ابرز المرشحين لرئاسة الحكومة، وذلك لاسباب كثيرة، منها أنه رجل اقتصاد محنّك ومن صالح كل الاطراف خاصة تلك التي ستربح معركة التأسيسي وأيّا كان لونها أن تربح معها معركة التنمية، خصوصا ان تلك الأطراف سوف تدخل ثانية غمار الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد مدّة فإذا شهدت تونس نجاحا تنمويا فإنه سيحسب لها ذلك النجاح، وإذا ما هي فشلت فإنها ستتحمل وزر ذلك الفشل. ومن الأسباب الاخرى التي ترشح محافظ البنك المركزي لمنصب رئاسة الحكومة، هي استقلاليته فهو لا ينتمي الى حزب،ولا يتكلّم باسم طرف، وبالتالي فإنه يمكن الوفاق حول اسمه، والتوافق على تعيينه لهذا المنصب خصوصا أن عدّة أحزاب سياسية وبعضها مؤثّرة جدا لا ترى أي مانع في طرح هذا الاسم بل وتزكّي تسميته. وإذا ثبتت هذه الفرضية فأين سيكون وقتها مآل السد الباجي قائد السبسي الوزير الأول الحالي؟ هذا السؤال لا يجد جوابا مؤكّدا ولكنه يلاقي بدوره فرضية أن يكون الباجي قائد السبسي رئيسا «مؤقّتا» للجمهورية، ولكن هذه الفرضيات تنتج بدورها سؤالا آخر يقول وماذا بقي وقتها للمجلس التأسيسي؟ لكن الذين يضعون هذا السؤال ينسون أن رئيس المجلس التأسيسي المنتخب بالضرورة يبوؤه منصبه لمكانة هامة جدا، ولدور ثقيل بكل المعاني، خصوصا إذا ما توفّرت في شخصه الاسباب التي تجعله لاعبا رئيسيا وطرفا هاما في معادلة الثلاث مناصب الأهم، أي رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس. وقد يستطيع رئيس المجلس أن يصنع من منصبه، ما سوف يخوّل له صناعة المرحلة المقبلة برمّتها، وهو ما يعود بدرجة أولى الى شخصيته وقدراته واستغلاله على الوجه الأمثل لمهامه. إن رئيس المجلس التأسيسي خصوصا إذا ما لمعت فيه علامات زعامة، أو توهّجت منه دلالات كاريزما، سيكون وطنيا وسياسيا شخصية محورية. ولعلّه قد يكون أهم الشخصيات الثلاث!