الفساد في العهد السابق لم يرتبط بالمجال السياسي والاقتصادي فقط بل شمل كل مظاهر الحياة في تونس ولم يسلم منها القطاع الرياضي حيث تدخلت بعض الأطراف في المشهد وطبعوه بفسادهم واستغلال مواقعهم ونفوذهم وتجاوزاتهم. كانت من ضمن عمليات هذه التجاوزات إبعاد كل من تجرّأ وعارضهم وحاول التصدّي لمخططاتهم ونزواتهم المسيئة للرياضة التونسية وكان من بين ضحاياهم المندوب العام السابق للرياضة الدكتور بشير الجباس.
حول هذا الوضع صدر مؤخرا كتاب «الرياضة والثورة.. متى؟» للدكتور بشيرالجباس.
من هو بشير الجباس ؟
البشير الجباس لاعب قديم بالنجم الساحلي كان يشغل خطة وسط ميدان شارك في المنتخبات الوطنية للأداني والأصاغر والأواسط ثم ا لأكابر في موسم (66 67).. وقد خوّلت له دراسته المتعمّقة في الميدان الرياضي والطب النفسي الحصول على الدكتوراه اختصاص كرة القدم وعلم النفس الرياضي الى جانب كونه باحثا ومحاضرا.
إصدارات الى جانب تفرّغه للتدريس وإلقاء المحاضرات وتقلّد منصب مندوب عام للرياضة كانت للدكتور بشير الجباس عدة إصدارات من أهمها: 1) الاعداد النفسي لكرة القدم صدر في فرنسا سنة 1987. 2) كرة القدم الغد في جزأين صدر بتونس سنة 1997. 3) ما وراء «الكوتشينغ» صدر بتونس سنة 2010. 4) الثورة والرياضة متى؟ الصفحات السوداء للرياضة التونسية 2011.
كتاب «الثورة والرياضة متى؟»
جاء كتاب «الثورة والرياضة متى؟» الذي يضم 238 صفحة في طبعة أنيقة من الحجم المتوسط أشرفت على تنفيذها مؤسسة «نيرفانا» وطبع بمطابع «توب برينتنغ» علما أن النشر يعود لمؤسسة بوجميل للنشر والدعاية.
ويتضمن الكتاب إضافة الى الاهداء والمقدمة عدة أجزاء تحدثت عن أساليب الفساد الرياضي وأدواته طيلة 23 سنة وتداعياته على مكونات الرياضة التونسية خاصة في المناطق الداخلية للبلاد ومدى الانعكاسات الداخلية للبلاد ومدى الانعكاسات السلبية التي خلفها ذلك على النتائج الفنية في المحافل الدولية.
في دردشة مع الدكتور بشير الجباس حول مؤلفه الأخير يقول «استرعى انتباهي في السنوات الأخيرة مدى التدني الرهيب لمستوى الرياضات التونسية جماعية كانت أو فردية الى جانب تنامي ظاهرة العنف بكل أصنافه، وعندما حاولت الغوص في هذا الموضوع كانت الحصيلة هذا الكتاب الذي شرعت في كتابته قبل الثورة المجيدة بعدة أشهر وتحديدا منذ ماي 2010 وانتهيت منه في شهر أكتوبر 2011.
الحصيلة جاءت على النحو التالي
في محاولة منه لتقصي حقيقة الفساد في مجال الرياضة اعتمد الدكتور أسلوب شاهد عيان له من الوعي والمستوى العلمي والأكاديمي ما خوّل له تجريم كل من تعمد إفساد هذا القطاع والحياد به عن مقاصده.. حول هذه النقطة أوضح الكاتب كما يلي «الاستبداد بالرأي من منطلق القرب والقرابة العائلية من الرئيس المخلوع بغاية التوظيف السياسي لفائدة النظام البائد أدى الى الشعور بالظلم والقهر لدى كل مكونات الحقل الرياضي وإفراغ الأنشطة الرياضية من معانيها ومبادئها السامية وجعلها مجرد «ماكينة» لصنع النخبة كأداة فعالة لتلميع صورة الرئيس المخلوع. وأكبر دليل على ذلك بعث هيئة وطنية لتقييم المواهب الرياضية أي متابعة الأطفال البالغة أعمارهم 6 سنوات والاهتمام الكلي بالمنتسبين لمراكز النهوض بالرياضة والتي لا تتعدّى نسبتهم ال4٪ من مجموع تلاميذ الابتدائي وعددهم مليون طفل عندها ندرك أن نسبة «الضياع» أو عدم الجدوى تفوق نسبة ال85٪.
إجابات عن تساؤلات حائرة
ويضيف الدكتور بشير الجباس «جاء هذا الكتاب ليجيب عن تساؤلات عدة كانت ولا زالت بلا إجابة حتى بعد اندلاع ثورة 14 جانفي 2011 المباركة. ومن أهم هذه التساؤلات وأخطرها هي التي ترتبط بالعنف في الرياضة التونسية وفق الشروط التالية:
ظاهرة العنف التي واكبت ولطّخت الرياضة التونسية في السنوات الأخيرة والتي لم تقتصر على كرة القدم المحترفة بل شملت كرة القدم على كل المستويات وكل الدرجات والأصناف بما فيها كرة القدم النسائية والرياضة المدنية والجامعية والرياضة والشغل. العنف لم يقتصر على الميادين والملاعب بل انتشر خارجها في الشوارع والساحات العمومية، وهذا العنف لم يقتصر على العنف اللفظي وعلى التعبير العفوي عند الغضب وشتم المنافس والجامعة الرياضية المعنية بل تعدّى الى العنف المادي والاعتداء على الأشخاص والممتلكات وتحدي رجال الأمن. كما أن العنف لم يقتصر على حالات التشفي إثر الهزيمة بل تحول الى ظاهرة عادية حتى في صورة فوز الفريق أو عدم انهزامه.
شعور بالظلم والقهر حول هذه النقطة بالذات استطرد الكاتب قائلا «كل هذه المؤشرات كانت توحي بأن هذا العنف الذي تضاربت بشأنه آراء الخبراء ولم يقدر على اخماده بوليس النظام البائد طيلة السنين الأخيرة كان تعبيرا عن شعور عميق بالظلم والاستبداد لدى كل أطياف الشعب التونسي المقهور والذي وجد في فئاته الشبابية خير مترجم لهذا الشعور داخل الفضاءات الرياضية فبذور الثورة التونسية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وجدت في الظلم والاستبداد الرياضي الذي كان مسلطا على كل من لا حول لهم ولا قوة خير وسيلة للانفجار والتحرّر من الطاغية الرئيس المخلوع وزبانيته المقربين.
حكومة الظل
في هذا الباب أوضح الدكتور بشير الجباس في كتابه أن المنظومة الرياضية كانت تُدار بالحديد والنار من طرف الثنائي عبد الحميد سلامة وسليم شيبوب وهو ثنائي كان بمثابة حكومة الظل التي تخطط وتبرمج كل كبيرة وصغيرة تهم الشأن الرياضي تاركة عملية التنفيذ العلني ومواجهة الرأي العام وخاصة في حالات الفشل الى الوزارة والهياكل الرياضية، فسليم شيبوب كان يعتبر الطفل المدلل للقصر الرئاسي يحكم حسب أهوائه ونزواته بدون صفة مهنية أو مسؤولية مضبوطة عدا كونه صهر الرئيس المخلوع.
أما الوزير الثاني لحكومة الظل فهو عبد الحميد سلامة الذي ليس له أي صلة بالرياضة لا من حيث الدراسة أو الممارسة أو الخبرة فالصدفة شاءت أن ينخرط في سلّم التحكيم كمبتدئ في الدرجة الثالثة قبل أن يصبح هذا الرجل من خلال تواطؤه مع سليم شيبوب وعلاقته بزميله في الاداب العربية صالح البكاري أكبر خبير تونسي في الرياضة. مسؤولية هذا الثنائي في الحقل الرياضي كانت شبه كلية من خلال تعيين كل المسؤولين بمن فيهم وزير الرياضة ومعاونوه من مدراء، رؤساء جامعات، مدربون وطنيون، حكام مباريات الخ... السيطرة على الميدان الرياضي امتدت حتى أصبح التلاعب بالنتائج الرياضية لعبة أسبوعية لا تعترف الا بمقدار الولاء الذي يبديه رئيس هذا النادي أو ذاك لهذا الثنائي أو لأحدهم. ويختم الكاتب خوفه في هذه النقطة بالذات بالقول: «من المضحكات المبكيات في النظام البائد ان هذا الثنائي هو الذي وقع اختياره من طرف الدكتاتور المخلوع لرئاسة اللجنة الاولمبية التونسية بالتداول منذ سنة 2004 ولجنة (القوانين CNAS) حتى قيام الثورة.
الانهيار الرياضي
بما ان التوظيف السياسي أدى الى الانهيار الرياضي وأفرغ الرياضة من جميع مبادئها السامية فإن تواجدها أصبح مرتبطا بنخبها قبل ان يضيف الكاتب: «حاولت في هذا الكتاب التأكيد على ان القطاع الرياضي كان من أبرز المؤشرات على تفشي الظلم والاستبداد وغياب المساواة والعدالة في البلاد. فلمن أراد ان يعرف أي الجهات والولايات المحظوظة اقتصاديا واجتماعيا في العهد البائد، ولمن أراد ان يعرف أين تكدست الأموال والمشاريع ولمن أراد ان يعرف أين يوجد الرخاء وطيب العيش ما عليه الا تصفح الخارطة الرياضية للبلاد حتى يتأكد من التعايش السلمي ظاهريا :
لكتلتين رياضيتين (الولايات البحرية والولايات الداخلية). لنوعين من الأنشطة الرياضية (رياضات البؤس ورياضات الرفاهة). لنوعين من الرياضيين (الرياضيين الميسورين والرياضيين الحارقين). لنوعين من المنشآت الرياضية (الثمينة والبخسة). لنوعين من الشباب المدرسي (الشباب المحظوظ والشباب المنسي). لنوعين من الرياضة النسائية (رياضة الكادحات ورياضة البورجوازيات). لنوعين من المنتخبات. لنوعين من رياضيي النخبة.
أرقام تغني عن الكلام
هذا وقد لاحظ الكاتب انه من المبالغة الحديث عن رياضة تونسية في ضوء الارقام التي رصدها، مشيرا الى وجود منتخبات رياضية وقع تشكيلها واحتضانها من طرف النظام البائد بهدف تلميع صورته في المحافل الدولية. وشعورا منه بهذه المآخذ اشتغل هذا النظام معتمدا على رجالاته في فبركة الارقام والاحصائيات.
نسبة تعاطي الرياضة في تونس الرسمي 17٪ والحقيقي 3٪. تعاطي الرياضة بالمدارس الابتدائية الحقيقي 1.75٪ والرسمي 6.53٪. تعاطي الرياضة بالمدارس الاعدادية الحقيقي 7.2٪ والرسمي 20.15٪. تعاطي الرياضة بالمعاهد الثانوية الحقيقي 5.91٪ والرسمي 13.18٪. تعاطي الرياضة بالمعاهد العليا الحقيقي 1.27٪ والرسمي 4.4٪). صفر اجازات في الابتدائي بكل من توزر وڤبلي والقصرين.
100 ألف متعاط مدني
في باب آخر من تقديم الأرقام المفزعة يقول الدكتور بشير الجباس إن المزاولين أو بالاحرى المتعاطين للرياضة المدنية بلغ عددهم سنة 2006 : 100 ألف متعاط وقد كانت النسبة المائوية حسب الولايات على النحو التالي: تونس العاصمة 20٪ سوسة 9٪ صفاقس 8٪ نابل 7٪ قبليوتوزر أقل من 1٪ القصرين وسيدي بوزيد والكاف أقل من 2٪.
في أحد فصول كتابه «الرياضة والثورة... متى؟» تعرض الدكتور بشير الجباس الى نسبة الرياضات المدنية في تونس والتي جاءت على النحو التالي:
60 ألف(60٪) في 8 ولايات. 40 ألف (40٪) في 16 ولاية. 7 جامعات فيها أقل من 1000 رياضي. 8 جامعات فيها أقل من 500 رياضي. منتخبات الالعاب الفردية 50٪ بنات عاطلات 60٪ ذكور عاطلين الطاقات المهدورة في مراكز النهوض بالرياضة
بخصوص هذه النقطة بالذات أشار الكاتب الى أن نسبة اهدار الطاقات سنة 2008 2009 أفرزت الارقام التالية:
25000 ذكور بينهم 4000 مجاز: نسبة الاهدار 85٪. 14000 بنات بينهن 230 مجازة : نسبة الاهدار 84٪.
في خاتمة هذه الدردشة ذكر الدكتور بشير الجباس انه اقترح عدة تشريعات رياضية وفلسفة ومبادئ ثورية لمزيد النهوض بالرياضة التونسية علما وان كتابه هذا احتوى على أفكار وقرابة ال51 اجراءً لتعصير الرياضة حتى تحقق الثورة المنشورة في هذا المجال خاصة على مستوى التكافؤ بين الجهات.