بين الأنقاض وبقايا الحرائق التي استهدفت مؤسسة اقتصادية عريقة استفاد منها على امتداد أكثر من قرن عشرات الآلاف من العمال والاطارات من منطقة الحوض المنجمي وولاية قفصة عامة وعديد الجهات بالبلاد وحتى من البلدان المغاربية مثل ليبيا والجزائر والمغرب. «الشروق» تنقلت إلى الفضاء الإداري لإقليم شركة الفسفاط بالمظيلة حيث وقفت على عملية احراق تامة لكل المكاتب الادارية ومنها «المجمع الاداري» القديم الذي يطلق عليه عمال مناجم المظيلة «البيرو» «Bureau» والذي يعود انشاؤه إلى سنة 1923 هذا المجمع اشعلت فيه النار حتى أتت على كافة الوثائق الادارية التي تعود إلى عشرات السنين وتتعلق بالعمال والاداريين والمتقاعدين وغيرهم من ضحايا حوادث الشغل والعمال الأجانب... النار الملتهبة اسقطت جزءا كبيرا من سقف البناية فيما بات الجزء المتبقي مهددا بالسقوط في أي لحظة...أحد متقاعدي الشركة كان يجول بنظره في زوايا المكان تنهد في تأثر بالغ قائلا :«إنها ذاكرتنا الجماعية... لقد احترقت دون رجعة...ادارة الإقليم نهبت منها كل ما وقع بين الأيدي من حواسيب ومكيفات وطاولات وكراس بل حتى المكانس ومواد التنظيف في وضعيات مؤلمة حدثنا عنها شهود عيان بألم وحسرة ! المخبر الموجود في المركب الاداري كان ايضا عرضة للنهب اذ تم السطو على عديد تجهيزاته ومنها «الغرابيل» الحديدية التي تستعمل لبعض التجارب وغيرها من الادوات التي تصلح ولا تصلح (أيضا) لاي استعمال منزلي وبعد النهب اشعلت النار في هذا المخبر الصغير الذي دخلته «الشروق» حيث وقفنا على هول الحريق الذي أتى على كل شيء. في مستودع الشركة وتحديدا المتصل بمصلحة كانت المشاهد مؤلمة جدا اذ وقفنا على هياكل لحافلتين لنقل العمال قد احترقتا بالكامل (من الحجم الكبير) كما تم حرق حافلتين صغيرتين قال لنا أحد العاملين بمصلحة النقل ان واحدة منهما لم يمرّ على اقتنائها سنة واحدة وهي من النوع (المكيف رفاهة)...ووسائل النقل المحروقة كانت عديدة ومنها جراران وشاحنة كبيرة ومن الآليات التي احرقت تماما آلية ضخمة جدا لرفع الاثقال شاهدناها هيكلا مفحما قال لنا أحد عمال شركة الفسفاط انها نادرة وأن ثمنها يمكن ان يصل الى المليارين من المليمات علما أن بعض وسائل النقل تم تهريبها من قبل ابناء الشركة في اليوم الموالي للحريق لحمايتها والا لكانت الكارثة أكبر، كما امتدت «آلة الحرق» الى وسائل أخرى في مواقع اخرى للشركة مثل المغاسل والمخازن إذ احرقت سيارة اسعاف وشاحنة كبيرة وبعض الآليات المختلفة أما عمليات النهب فقد حدثنا عنها بعض أهالي المنطقة وعمال الشركة بمرارة إذ تم استعمال الشاحنات لنقل وتهريب عديد المعدات وبكميات كبيرة ومنها العجلات المطاطية بمختلف أنواعها وأحجامها والاسلاك الكهربائية وكميات هائلة من النحاس وأنواع متعددة من قطع الغيار التي تم السطو عليها من مخازن الشركة. الحرق والنهب طال ايضا مؤسسات أخرى بالمظيلة كمركزي الشرطة والحرس ومركز البريد ومقر الاتحاد المحلّي للشغل ومستودع البلدية مما اثر تأثيرا كبيرا على نسق الحياة العامة بمعتمدية المظيلة التي تعد 14000 ساكن فبسبب حالة التوتر والفزع تعطلت مصالح المواطنين والتلاميذ والطلبة. فتواصل انقطاع حركة حافلات النقل العمومي من قفصة الى المظيلة الى حدود يوم أول أمس الاثنين مما أدخل اضطرابا كبيرا على مصالح المواطن وعطل دراسة مئات الطلبة بالمؤسسات الجامعية بمدينة قفصة وكذا التلاميذ الدارسين بقفصة أصيلي المظيلة وقد استفاد أصحاب السيارات «اللواج» من هذه الوضعية وأصبح الطلب عليها متزايدا. ومن جهة أخرى تعطلت عملية تمكين المتقاعدين والأرامل من جرايتهم باعتبار الغلق المتواصل لأبواب مركزي البريد بالمظيلة وبرج العكارمة مما عمق الازمة المادية لشرائح اجتماعية هشّة. كما توقف نشاط السوق الاسبوعية يوم السبت الفارط وتعطلت كل المصالح الإدارية التي يحتاجها المواطنون في علاقتهم بالبلدية والبريد والشرطة والحرس وحتى المعتمدية التي لم يلحقها ضرر ظلت هي الأخرى مغلقة وفي حماية قوات الجيش. ومن جانب آخر تعطلت الدروس بالمؤسسات التربوية الثانوية والاعدادية والابتدائية منذ مساء يوم الاربعاء الفارط وشهدت عودة جزئية حذرة ومضطربة صباح يوم أول أمس الاثنين في الوقت الذي باشر فيه التلاميذ امتحانات الاسبوع ما قبل المغلق. وبالتوازي مع التوقف الشامل لنشاط شركة الفسفاط في كل المواقع انطلق التوقف التقني السنوي بالمصنع الكيميائي بالمظيلة خلال الاسبوع الفارط تحت حراسة مشددة من قبل قوات الجيش والشرطة والحرس خاصة بعدما راجت في الفترة الاخيرة إشاعة حول استهدافه بعمل تخريبي. وأمام هذه الوضعية المتردية التي أثرت سلبا على حياة المواطن العادي في مستوى قضاء شؤونه اليومية بات من الضروري توفير حدّ أدنى من الخدمات وفي مقدمتها الخدمات البريدية والبلدية وتأمين النقل المدرسي والجامعي وهو ما يتطلب تحرّكا من قبل السلط الجهوية والإدارية والقطاعات المعنية مع توفير عمليات التأمين اللازمة لهذه الخدمات العاجلة.