مسألتان هامّتان شغلتا الرأي العام منذ بداية هذا الأسبوع وما تزالان تتفاعلان إلى حدّ الآن في الفضاءات العامّة وعبر وسائل الاتصال المختلفة ، أولاهما المتعلّقة بالجدل الدائر في رحاب المجلس الوطني التأسيسي حول مشروعي القانونين المنظّمين للسلط العموميّة والنظام الداخلي للمجلس وما رافقهما من تباين في الآراء والمقاربات وثراء في الطرح والمُحاججة ، وثانيتهما ما يجري في رحاب كليّة الآداب بمنّوبة على خلفيّة منع طالبة منقّبة من اجتياز الامتحانات وما تلاها من مظاهر توتّر بين الطلبة وبينهم والإطار الإداري والجامعي. المسألة الأولى أبرزت وعيا كبيرا بين مختلف الفاعلين السياسيين ومكوّنات المجتمع المدني برهانات المرحلة السياسيّة المتّجهة إلى تكريس أولى لبنات الانتقال الديمقراطي ، حيث دار حوار معمّق جدّا بين مختلف الشركاء داخل المجلس الوطني التأسيسي وخارجه على نحو اتّضحت فيه برامج الأحزاب ونواياها وانكشفت فيه سبل وضع فصول قانونيّة تؤمّن كتابة دستور يليق بثورة تونس وشعبها وتوزّع الصلاحيات بالتوازي وبشكل متناغم بين الرئاسات الثلاث أي رئاسة التأسيسي ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهوريّة ، وفي الوقت الّذي أنهت فيه لجنة القانون الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي أعمالها ورفعت تقريرها للسيّد رئيس المجلس ينتظر أن تستأنف اللجنة الثانية أشغالها بداية من نهار اليوم من أجل تحقيق التوافقات الممكنة حول الفصول محلّ الخلاف والتنازع أو حسم كلّ ذلك بالتصويت ، وسواء تمّ التوصّل إلى وفاق أو أيّا كانت نتيجة ذلك التصويت فإنّ الأحزاب السياسيّة وممثلي الشعب في التأسيسي قد قدّموا درسا مهمّا في القبول بالرأي والرأي المُخالف وارتضوا بالتنازلات ضمانا لإنهاء الخلافات والوصول إلى المشترك.
وعلى خلاف ذلك ، انتهت المسألة الثانية أي «مسألة النقاب في الجامعة» إلى ما يُشبه الأزمة الحقيقيّة التي بلغت ذروتها ببروز مظاهر للعنف المادي واللفظي والتجاذب الحدّي والقاطع بين رؤيتين إثنتين الأولى تتمسّك بالحق في ارتداء النقاب في رحاب الجامعة وقاعات الدرس والامتحان واعتصمت لذلك واحتّجت وندّدت واعتبرت قرار المنع الّذي مسّ عددا من المنقّبات مسّا بحرية المعتقد وحرية الملبس ، والثانية رأت في كلّ ما حدث مسّا بحرمة الجامعة وضربا لأسس بيداغوجيّة تقتضي إنجاح العمليّة الاتصاليّة بين الإطار المدرّس وطلبته وخاصة طالباته المنقبات.
ومن المؤكّد أنّ المفارقة بين مسار المسألة الأولى المتّسم بالحوار ومسار المسألة الثانية المتّصف بالقطيعة والصدام يطرح قضية في غاية من الأهميّة وهي أنّ البلاد – وعلى الأخص الجامعة - تحتاج إلى المزيد من الفضاءات لتعميق الحوار المدني وخاصة للقطع النهائي مع كلّ مظاهر العنف والصدام والقطيعة ، والمآل الإيجابي الّذي يسير فيه الجدل في المجلس الوطني التأسيسي يُثبتُ أنّه بالإمكان كلّما تحلّت مختلف الأطراف بالهدوء وروح المسؤوليّة ، بالإمكان الوصول إلى حالة من التعايش والقبول بالمشترك والأكثر من ذلك الارتفاع بمستوى الجدل حول القضايا والمشاغل الجامعيّة والطلابيّة إلى مستوى أرقى وأنجع يُفيد العملية التربويّة ويؤسّس لعلاقة جديدة بين مختلف الفاعلين الجامعيين من طلبة وإطار تربوي وإداري وبين ممثليهم وهياكلهم النقابيّة والمهنيّة.
ومن المهم أن تُعاضد مختلف الأحزاب ومكونات المجتمع المدني جهود تكريس الحوار المدني والحضاري في رحاب الجامعة والابتعاد عن كلّ مظاهر التوتير أو المزايدات السياسيّة وأن يتّجه الجميع إلى تكريس أسس ثابتة ومشتركة بين كلّ الأطراف تؤمّن لا فقط حسن الدروس والامتحانات بل تكرّسُ روح المسؤولية والتعايش داخل رحاب الجامعة والنأي بها عن كلّ التجاذبات السياسيّة أو الحزبيّة.