التجاذبات والمناكفات التي طبعت مداولات اعضاء المجلس الوطني التأسيسي أثناء النظر في المشروع المنظم للسلط العمومية تواصلت أمس في عملية انتخاب الرئيس المؤقت للجمهورية. وقد بلغ الجدل حدا قررت معه المعارضة «مقاطعة» الانتخاب على طريقتها من خلال الامتناع عن تقديم مرشح لهذا المنصب بما يكرّس روح التعدد والديمقراطية التي يفترض ان تحضر في المناسبة.. وكذلك من خلال تقديم أوراق بيضاء كطريقة أخرى للاحتجاج على نقطتين أساسيتين: الأولى تمثلت في تقليص صلوحيات رئيس الجمهورية الى المستوى الذي يجعل المنصب الى الأمور التشريفاتية أقرب وهو أمر يقابله تكديس للسلطات بين يدي رئيس الحكومة وهو ما يفتح الباب دكتاتورية بثوب جديد. الثانية تمثلت في عدم تحديد المدة التي ستستغرقها الفترة الرئاسية طالما انه لم يتم التنصيص في الدستور الصغير المعتمد على المدة التي ستستغرقها أعمال المجلس والمؤسسات المنبثقة عنها ومنها رئاسة الجمهورية.. وذلك في نكوص واضح عن التزام مكتوب كان أبرم بين 11 حزبا ونص على تحديد المدة بسنة. وبين موقف الأغلبية التي ترى بأن أشغال المجلس ومهامه الأساسية وفي طليعتها صياغة دستور جديد للبلاد قد تطول أكثر من سنة بما يجعل تحديد المدة بمثابة السيف المسلط على الرقاب.. وبين موقف المعارضة التي تقول بالالتزام بما تم التوقيع عليه والتنصيص على السنة مع امكانية التمديد بثلاثة أشهر مثالا.. بين هذا الموقف وذاك فإن الرابح الأكبر هو تونس التي ولجت الديمقراطية من الباب الكبير.. ووضعت لبنات يمكن التأسيس عليها لإقامة بنيان شاهق يستند الى التعدد والى الاختلاف والى علوية القانون وسلطان المؤسسات. والمهم وسط كل هذا أن نتعلّم كيف نختلف وكيف نؤمّن ظروفا لا يفسد فيها الاختلاف للود قضية.. وان نتعلّم كذلك كيف نرضى بحكم الأغلبية طالما أننا ارتضيناها قانونا للعبة وطالما ان الشعب قد اختار ووضع اختياره أمانة في رقاب أغلبية. ومن هذا المنطلق فإن المطلوب الآن هو ان يرتفع الجميع الى مستوى اللحظة التاريخية بما تفتحه من آمال وما تتيحه من تطلعا مشروع بغد أفضل... غد تتكاتف فيه جهود كل تونسي وكل تونسية في سبيل معالجة المشاكل الحقيقية للبلاد... وفي طليعتها ملف التشغيل باعتبار ان الشغل القار والدخل المحترم لكل طالب شغل هو مفتاح العيش الكريم وأولى خطوة على درب استئصال الفقر والحرمان اللذان يضربان شرائح عديدة من أهلنا من أقصى البلاد الى أقصاها... الآن أصبح للبلاد رئيس وقريبا يعلن التشكيل الكامل للحكومة.. والمطلوب أن يلتفت الجميع الى ما ينفع الناس.. وما ينفع الناس عبّر ويعبّر عنه التونسيون منذ شهور من خلال الحركات الاحتجاجية التي لم تتوقف. والرجاء أن تقع هذه المطالب في أذان صاغية.