من يصنع السياسة الخارجية للدولة التونسية؟ تساؤل فرضته عدّة اعتبارات منها تداخل الصلاحيات بين رئيسي الجمهورية والحكومة حسب القانون المنظم للسلط مؤقتا وكذلك تعيين رفيق عبد السلام، صهر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وزيرا للخارجية... «الشروق» تفتح الملف. ينص الفصل 11 من قانون التنظيم المؤقت للسلط في فقرته الأولى المتعلقة باختصاصات رئيس الجمهورية على أنّ من مهام الرئيس «تمثيل الدولة التونسية، ويتولّى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة رسم السياسة الخارجية للدولة بالتشاور والتوافق بينهما» وهذا يعني أنّ وزير الخارجية في الحكومة التونسية يقوم بمهامه بالتشاور مع رئيسي الجمهورية والحكومة والتوافق بينهما، لكن أصواتا ارتفعت مؤخّرا للحديث عن مدى استقلالية الوزير الجديد ومدى ارتباط عمله بما يقوم به صهره الغنوشي. ويقول المنتقدون إنّ راشد الغنوشي بات يتصرّف وكأنّه رجل دولة من خلال زياراته الأخيرة إلى كلّ من الجزائر وليبيا والسودان وقطر والولايات المتحدةالأمريكية، حيث كان عبد السلام، وهو زوج إحدى بناته، يرافقه في بعض الزيارات، وكان الغنوشي يلتقي مسؤولين كبارا في الدول التي زارها، ويلقي الخطب والمحاضرات. ويخشى البعض من تداخل الحزبي بالسياسي ومن تدخّل «النهضة» ممثلة في شخص رئيسها راشد الغنوشي في رسم السياسة الخارجية لتونس، لكنّ الوزير الجديد رفيق عبد السلام طمأن الجميع خلال تصريحات صحفيّة بأنّه لا يمكن مقارنته بصخر الماطري، صهر الرئيس المخلوع كما لا يمكن مقارنة الغنوشي ببن علي، لأن هناك فروقا جوهرية، فالماطري لم يكن يتقلّد منصبا رسميا في الدولة لكنه كان ذا نفوذ كبير وهذا مظهر من مظاهر الفساد في نظام بن علي، كما أنّ الغنوشي اليوم ليس رجل دولة ولا يتقلّد فيها أي منصب بل هو فقط رئيس الحزب الحائز على أغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي، لذلك تبدو المقارنة في غير محلّها وفقا لمن يرى عكس ما يراه المنتقدون. واعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنّ من خصائص المرحلة الانتقالية كمثل التي تعيشها تونس أن أطرافا عديدة تتدخّل بشكل مباشر أو غير مباشر في صياغة السياسة الخارجية، وخاصة في المرحلة التي تسبق التشكّل النهائي للحكومة وبداية رسم معالم السياسة الخارجية الجديدة. وأضاف الجورشي ل «الشروق» أنّ «حركة النهضة التي تمسّكت بأن تكون وزارة الخارجية من نصيبها هي حركة إسلامية، وهذه الخلفية الإسلامية للحركة تنعكس بالضرورة على صورة العلاقات الدولية التي يُفترض أن تتحدّد خلال المرحلة القادمة، وبالتالي ستكون الأولوية هي تعميق علاقات تونس بمحيطها العربي والإسلامي، ولكن حتى هذه النقطة تحتاج إلى مزيد من الوضوح والتبلور بمعنى أنه يمكن أن نفهم أنّ علاقاتنا بالمغرب التي هي أصلا علاقات جيدة يمكن أن تتدعّم أكثر بحكم صعود حزب إسلامي إلى السلطة في المغرب وتولّيه حقيبة الخارجية، كما أنّ العلاقات التونسية المصرية ستتّضح أكثر بعد تشكّل الحكومة الجديدة في مصر وسنلاحظ أيضا أنّ هناك تطوّرا في العلاقات التونسية التركية». وأكّد الجورشي أنه «مع ذلك ستبقى علاقات تونس بمختلف الأطراف دولية مرهونة بمدى قدرة حركة النهضة ووزير الخارجية الجديد على التحرّر من الصبغة الإسلامية إلى مستوى الرؤية الدّولية التي من شأنها أن تعطي الأولوية للمصالح على الإيديولوجيا، وذلك بأن تخضع السياسة الخارجية القادمة إلى عمل جماعي تشارك فيه أطراف عديدة سواء داخل الحكومة أو حتى خارجها لأن الديبلوماسية علاقات بالأساس.