أين يتجه المشهد السياسي التونسي اليوم؟ سؤال أصبح يطرح بصفة ملحة، خاصة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أظهرت الأحجام الحقيقية لأغلب الأحزاب وقضت بوأد أخرى بعد أشهر من ولادتها. يسعى عدد من الأحزاب التقدمية منذ فترة الى تشكيل حزب «كنفدرالي تقدّمي» يضم كل من حركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدّمي وحزب العمل التونسي وحزب آفاق تونس فيما ظلّت أحزاب «الترويكا» بعيدة عن مثل تلك النقاشات، كما انقطعت أخبار حوالي 90 حزبا منذ 23 أكتوبر. وفي الأثناء راجت أخبار أن الوزير الأول المنتهية ولايته الباجي قائد السبسي يسعى الى أن يكون محورا تجتمع حوله الأحزاب الدستورية و«التجمعية» التي كانت مقيّدة بعد 14 جانفي بالقانون الذي يمنع رموز وقيادات «التجمع» المنحل من الرشح.. فإلى أين تتجه الساحة السياسية اليوم؟ وفي هذا الاطار تحدثت «الشروق» مع كل من الأستاذ سالم الأبيض المختص في علم الاجتماع والأستاذ عدنان المنصر، لمعرفة آرائهما حول واقع الساحة السياسية ومستقبلها. مشهد متحرك يقول الأستاذ سالم لبيض ان المشهد السياسي التونسي يبدو مشهدا متحرّكا «حتى أن متابعته وتقييمه في تحرّكه تبدو عسيرة نسبيا»، مشيرا الى أن نتائج الانتخابات الأخيرة وتبعاتها وقيام حركة النهضة بتشكيل الحكومة وحليفيها توحي بأن المشهد قد استقرّ على هذا الحال لكن وعند النظر الى التحديات الاقتصادية المتأثرة خاصة بالأزمة الاقتصادية الخانقة في أوروبا وعدم أخذ الشرائح الشعبية المحتجة بعين الاعتبار لتلك الأزمة يعسّر ذلك دور الحكومة في القيام بطمأنة الجزء الأكبر من الشعب على مصيره في الحياة الكريمة. وتابع «وبالتوازي مع ذلك يبرز نوع من الحراك السياسي الداخلي تقوده القوى التي فشلت في الانتخابات وهذا الحراك يبدو عقلانيا ومشروعا عندما يتعلق بتكتل بعض المجموعات السياسية أو الأحزاب والذي يصل الى درجة تجاوز التناقضات مثلما هو الشأن بالنسبة الى الديمقراطي التقدمي والتجديد وآفاق تونس وحزب العمل التونسي والتي تبشر بأنها ذاهبة الى نوع من الوحدة مع الحزب الذي يتطلع الى إقامته الوزير الأول السابق». ومن جانب آخر أشار الأستاذ لبيض الى أن هناك قوى أخرى متجهة الى نوع من الاندماج والتوحيد مثل الحركات القومية إضافة الى قسم آخر «يعتقد أنه بإمكانه أن يعود الى السلطة بواسطة الصندوق بعد أن طرد منها بواسطة الثورة وهي الاحزاب الدستورية؟ اضافة الى التشكيل الجديد للاتحاد العام التونسي للشغل والذي سيعيد له بريقه الذي سرقته منه الاحزاب في ما قبل 14 جانفي حسب محدّثنا. واعتبر ان هذا المشهد برمته يشكل نوعا من ردّة الفعل أو نوع من الاستعداد للمرحلة الجديدة لمواجهة حركة النهضة التي يرى فيها البعض انها هيمنت على المشهد السياسي ولكي لا يتكرر ذلك في الانتخابات القادمة. وأشار الاستاذ سالم لبيض الى أنه الى جانب كل هذا الحراك هناك أخطاء مازالت تتكرر واعتبر انها تبرز خاصة من خلال الآلة الاعلامية لفائدة الطرف المعارض الاول «وهذا لا يزيد فقط من شعبية النهضة على حساب كل القوى المتبقية بما في ذلك من لم يشارك في تلك الاخطاء وهم كثر بل ولربما يتطوّر المشهد الى نوع من الصدام فلا يمكن ان تقبل النهضة بوصفها تمثل السلطة السياسية، وجود سلطة معادية لها ولربما ترى فيها تشويها لصورتها ولسياساتها وهي المؤسسة الاعلامية». ضعف هؤلاء لا يخدم الا النهضة وبالنسبة للاستاذ عدنان منصر فقد اعتبر ان الاحزاب الموجودة في المجلس الوطني التأسيسي هي نفسها التي ستتواجد في الانتخابات المقبلة وان الكثير ممّا ستفعله خلال المرحلة التأسيسية سواء كانت في السلطة أو في المعارضة سيكون محكوما بالاستحقاق الانتخابي. وأوضح أن هذه الأحزاب باستثناء حركة النهضة تعيش مخاضا يهدد بتفكك بعضها ويعد بالتقاء عدد آخر منها في اطار جبهات سياسية. وأوضح أن مسألة التفكك تتعلق خاصة بالأحزاب المتحالفة مع النهضة وهي بالأخص التكتل والمؤتمر، مؤكدا أنه «إذا لم يستطع هذان الحزبان تجاوز صعوباتهما الداخلية فإن ذلك يعني انه لن تكون هناك أحزاب قويّة في منافسة النهضة في الانتخابات القادمة»، مضيفا أنه «حتى الحراك الذي نشهده منذ بعض الوقت في ساحة الأحزاب الأخرى المعارضة لا يزال في بداياته ولا يعد موضوعيا بنشأة جبهة انتخابية باعتبار أن تحويل تحالف سياسي الى تحالف انتخابي يبقى أمرا بالغ الصعوبة وأمر أكدته تجربة انتخابات المجلس التأسيسي». وقال الاستاذ منصر إن ضعف الحزبين الملاحقين للنهضة (التكتل والمؤتمر) لا ينفع بالضرورة الاحزاب الاخرى الموجودة في المعارضة والتي تسعى اليوم للتكتل في جبهة ديمقراطية حداثية، «بل ربما استفادت النهضة أكثر من غيرها من ذلك في الانتخابات القادمة اضافة الى أن ضعف هذين الحزبين سيدعم حالة الاستقطاب السياسي والايديولوجي في الساحة السياسية التونسية وسيجعل الانتخابات القادمة تتم على أسس ايديولوجية أي تقريبا مثل الانتخابات الماضية». وتابع «يعيب بعض المعارضين على حزبي التكتل والمؤتمر تحالفهما مع النهضة من أجل تشكيل الحكومة ولكنهم في الوقت نفسه يسعون لبناء جبهة تضم أحزابا متناقضة ايديولوجيا قد تتضمن في نفس الوقت وحسب ما يدور حاليا في الساحة حركة يسارية مثل حركة الوطنيين الديمقراطيين وحزبا يمنيا مثل آفاق تونس». وحول الأحزاب التي لم تمثل في المجلس التأسيسي وهي تعدّ بالعشرات اعتبر ان «هناك حراكا في ما بينها وتجلى في ظهور محاولات للاندماج بين عدد منها كما يتوقع اندثار أحزاب اخرى بصفة نهائية وهذا أمر طبيعي باعتبار أنه في السياسة أيضا، يكون قانون البقاء للأصلح وهو قانون ساري المفعول». وحول مشروع الحزب الذي هو بصدد التكوين تحت اشراف الوزير الأول السابق السيد الباجي قائد السبسي فقد اعتبر الأستاذ عدنان منصر أنه لا يمكن أن يمثل عنصرا بالغ التأثير في الساحة في الفترة القادمة، ذلك أنه سيجمع تحت جناحيه جانبا واسعا من الطيف الدستوري وكذلك من الأحزاب الصغيرة وهو ما قد يهدّد حتى تشكيل ما يسمى بالجبهة الديمقراطية التي هي في طور التكوين الآن». وختم قائلا: «صحيح أن الساحة الحزبية ستكون أقل تشتتا مما كانت عليه في الانتخابات السابقة ولكن الفترة التي ستشهد وجود ثلاثة أقطاب سياسية فقط (قطب يساري قطب وسطي قطب يميني) هي فترة لاتزال بعيدة».