في خضم الأحداث اليومية التي تشغل التونسيين، تذكر الناشطون على الموقع الاجتماعي يوم أمس ذكرى انتفاضة الخبز يوم الثالث من جانفي 1984، وتم نشر العشرات من الوثائق ومقاطع الفيديو والصور العائدة لتلك الأيام المضنية، وخصوصا أغنية «يا شهيد» التي ألهبت المشاعر التونسية. في مثل هذه الأحداث يبرز الدور الإيجابي للموقع الاجتماعي وهو تذكير الأجيال الناشئة بتاريخها، وإحياء الأحداث التي عاشها الشعب التونسي وقدم فيها مئات الشهداء الذين خرجوا إلى الفضاء العام بعد أن فاض بهم كأس الصبر والاحتمال. قبل 28 عاما، كانت ثورة الخبز التونسية، في جانفي شهر الثورات في بلادنا. يكتب ناشط حقوقي في صفحة شهيرة: «إلى كل الأجيال التي لم تعش أحداث ثورة الخبز، إلى الأجيال التي كذب عليها النظام وزور الإعلام الفاسد تاريخها، في مثل هذا اليوم من عام 1984 ثار الشعب التونسي في ثورة عارمة على «الميزيريا»، فقمعه نظام بورقيبة بالحديد والنار، وقدمت تونس أكثر من 300 شهيد كان حلمهم المحافظة على ثمن الخبز، حتى لا يموتوا جوعا». يتداول ناشطون حقوقيون مقالات ووثائق عن بعض تفاصيل ما حدث وقتها مثل إملاءات صندوق النقد الدولي على الحكومة، لتجويع الفقراء ولكي يزداد الأثرياء ثراء. ومثل الإجراءات القمعية التي طالت مناضلي اتحاد الشغل، وحقوق الإنسان، وإحاطة مجموعة من الانتهازيين بالزعيم بورقيبة الذي تحول من محرر إلى دكتاتور وحاكم أوحد أزلي. كما تم تداول العديد من الصور النادرة، ومقاطع الفيديو الإخبارية والوثائقية التي أعدتها قنوات أجنبية، كما لو كان مقدرا علينا أن نرى حقيقتنا من الخارج. ومن أكثر مقاطع الفيديو التي تم تداولها، برنامج إخباري من قناة فرنسية، يعرض صورا مذهلة عن الفقر في تونس وعن التعاسة التي لا تصدق والتي تردى فيها الشعب. كما تم نشر وثيقة هامة وهي تقرير الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عما حدث يومي 3 و4 جانفي 1984. وفي هذا الإطار، يطرح العديد من الناشطين أسئلة مهمة: لماذا لم نعرف الحقيقة إلى الآن ؟ من أمر بإطلاق النار على المتظاهرين العزل ؟ من يتحمل المسؤولية في تلك المجزرة الرهيبة ؟ ولماذا لم تحدث محاسبة ؟ ويطرح ناشط حقوقي من اليسار فكرة تكوين لجنة من المؤرخين التونسيين للتحقيق في ما حدث وتأليف كتب أو إعداد برامج وثائقية عن تلك المحنة من أجل الذاكرة الوطنية، خصوصا وأن أغلب أطراف تلك الأحداث ما يزالون أحياء، ويجد هذا المقترح الكثير من التعاليق، حيث نشرت ناشطة حقوقية من صفاقس نصا طويلا عما كانت شاهدة عليه في مدينة صفاقس، حيث كانت تلميذة بالثانوي، وكان المتظاهرون يرددون: «خبز وماء وبورقيبة لا»، لكن الزعيم بورقيبة عرف كيف يهدئهم ببضع كلمات لما أعلن عن العودة إلى الثمن القديم للخبز والعجين. غير أن التعاليق والنصوص التي تخص شهداء ثورة الخبز هي الأكثر تأثيرا، مثل ما يتعلق باستشهاد الشاب الفاضل ساسي رميا بالرصاص، وهو الشهيد الذي جعل منه العديد من اليساريين في تونس رمزا لهم، خصوصا بعد أن قدم نبراس شمام ومجموعة البحث الموسيقي بقابس تلك الأغنية الشهيرة التي ألهبت الحماس والقلوب والحناجر وظلت أغنية سرية للثورة ممنوعة منذ ذلك الحين: «يا شهيد... الخبزة رجعت يا شهيد الخبزة... ثور طالعة من قبرك وردة تنادي الشعب يجيك يزور» ألا يستحق شهداء الوطن زيارة ؟ حتى في الموقع الاجتماعي على الأقل ؟