العائلات التي تشبثت بحب الأرض ومسقط الرأس عاشت بين الأكواخ وما تجود به من مكروه صيفا شتاء ومنازل القصدير والزنك للميسورين فلا هذا ولا ذاك سلم من الحر والقر فكانت فصولهم لا تحمل الجديد ما دامت المعاناة واحدة ودار لقمان على حالها ما دام أهل الكراسي جهويا ومحليا لا يعترفون بالفقراء وذوي الاحتياجات الخصوصية فتعاقب المسؤولون مرارا وتكرارا والمعاناة والفقر نفسه. فكوخ هنا وكومة حجارة هناك تتفاجأ عندما تدرك أنه بين ثناياها يقطن البشر و«فيلات» شيدت من آجر مازالت الحمرة لم تبرحه وقببها من قصدير تفنن مالكوها في تزيينها بأغطية بلاستيكية وقش قالوا إنه يحميهم الحر والقر هذا ما يملكه «الميسورون» ونعتذر لهذه الفئة من البشر الذين هم جزء منا وإلينا عن هذا الأسلوب في التعبير لأن المعاناة التي يعيشها سكان منطقة «الفروحة» لا يقاس ولا يحتمل. أهالي المنطقة رضوا بوضعهم وتألموا في صمت ألم زاد من حدته غياب التعبيد عن عدد من المسالك وحتى الجزء المعبد منها فقد غادره التعبيد منذ مدة وطالته الحفر وهو ما نتج عنه عزلة وغياب لظروف التزود حتى بالماء والطعام. غياب ابسط مقومات العيش الكريم ما زاد الطين بلة وعمق المعاناة هو غياب التغطية الاجتماعية لعدد من العائلات التي لم يتمتع أصحابها لا بمنح المعوزين ولا بمجانية العلاج فبات الكثير منهم لا يقدر على توفير خبزة اليوم ولا مبلغ التسجيل بالمستوصف البعيد عند المرض وهم الذين نخر الفقر عظامهم وجند كل قواته المعلنة والخفية ليزيد من همومهم وحالتهم سوءا. المعادلات الثلاث للعيش الكريم لكل مواطن وهي الماء والكلأ والنار تكاد تنعدم بمنطقة «الفروحة» فظروف التزود بماء الشرب صعبة رغم قربها من سد بوهرتمة أما التعليم فالمدرسة الابتدائية المتواجدة بالمنطقة تعاني عدة نقائص ومعدات إضافة لقدم القاعات وتداعي البعض منها للسقوط بعد أن لف جدرانها وسطوحها شقوق. أما الرزق وفرص العمل فتنعدم عدا بعض الأيام المتقطعة على مدار السنة بحضائر الغابات وما عدا ذلك فالبطالة شملت جميع الشرائح فزادت من حجم المعاناة والتهميش فبات بيع بيض الدجاج مصدر رزق للأغلبية وبمليماتها «يشترى الخبز والمقرونة والزيت» كما قالت ل «الشروق» العمة ربح وهي تحمد الله على كل حال ولا ترجو كأمنية لها بالعام الجديد سوى «النجاح لتونس » فما أروعك أيتها العجوز حين تنسين المعاناة أمام حب الوطن كم نحن جاحدون حين نحرم هذه الفئة من البشر من الأنانية وحب الذات. و«الشروق» تغادر المكان اعترض سبيلنا شيخ السبعين يحمل باليمنى أعواد حطب وباليسرى بعض الحشائش وبتحية وترحاب أهل الريف الطيبين حيانا قائلا هذا الحطب نتدفأ به ولنا فيه مآرب أخرى نطبخ عليه هذا «السلق» فيكون لي ولأحفادي خير مشبع للبطون. على رسالة المعاناة هذه غادرنا المكان وللألم أفضل مكان في القلوب على أمل أن نعود ذات يوم ونجد الحال قد تغير بانحراف 180 درجة لتنهض المنطقة من «صمت القبور».