بدت البلاد التونسية عبر الأخبار المتداولة يوم أمس في الموقع الاجتماعي في حالة غليان مخيف، ومررنا من أخبار الاعتصامات اليومية إلى الحرائق والفوضى وقطع الطرقات والعنف والغاز المسيل للدموع. الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها يوم أمس في الصفحات التونسية تبدو كأنها قادمة من زمن آخر: عجلات تحترق في الطريق العام، طرقات مقطوعة ونداءات بالثورة والتمرد والعصيان، مواجهات بما توفر من أسلحة في بعض الجامعات وأخبار عن المزيد من العنف والعصيان. أما التعاليق فهي لا تخرج عن التقاليد التونسية التاريخية في تبادل التهم بين النهضة وأنصارها من جهة واليسار والمعارضة من جهة أخرى. لا تجد صفحات النهضة وأنصارها في الموقع أي حرج في اتهام «اليسار المتطرف» وجماعة «الصفر فاصل» كما يسمونهم بالوقوف وراء ما يحدث من عصيان وحركات احتجاج عشوائية وتعطيل للحياة العامة. وبعض نشطاء النهضة يذكرون أسماء معروفة يتهمونها بالتحريض بكل السبل على العصيان وتسميم الحياة السياسية من أجل إسقاط الحكومة. ولا يتردد هؤلاء الناشطون في اتهام خصومهم بالعمل على تخريب البلاد، حجتهم في ذلك أن الحكومة لم تبدأ العمل بعد حتى يتم اتهامها بالفشل، يكتب ناشط حقوقي نهضوي: «كيف يمكن الحكم على سياسة النهضة وهي لم تتجاوز بعد شهرا واحدا في الحكم ؟ وحتى في هذه المدة الصغيرة، فقد بدأت البرامج تظهر، لكن القضاء على البطالة والفقر لا يتم في أشهر». في المقابل، يجد نشطاء اليسار والمعارضة في هذه الإضرابات «خبزا مباركا» للتشنيع على النهضويين، ويتداولون بكثافة مقالات ومقاطع فيديو عن حركات الاحتجاج، مع تعاليق لا تخرج عن الخطاب السائد عن فشل الحكومة، لكننا لا نجد أي دليل في الصفحات التونسية على تورط اليسار في التحريض المباشر على الاحتجاج أو العصيان أو الاعتصام. كما نجد في أغلب صفحات المعارضة استغلالا واسعا لهذا الوضع ضد الحكومة مع دعوات متكررة إلى التمسك بالحق في التعبير عن الاحتجاج والتظاهر. وفي هذا الإطار يتم تداول أخبار غريبة عن إضراب عام يوم 25 جانفي، وعن استمرار الإضرابات في الأيام القادمة. وفي المقابل، يتحرك ناشطون من النهضة منذ أيام للدعوة إلى ما يسمونه «مسيرة مليونية» لدعم الحكومة وتركها تعمل، وذلك يوم الأحد 22 جانفي على الساعة الحادية عشرة صباحا في كامل البلاد، ودعا هؤلاء الحكومة إلى «إعلان حالة الطوارئ واستعمال كل الوسائل ضد كل أشكال تعطيل الحياة والنشاط الاقتصادي» كما قرأنا في صفحة نهضوية شهيرة. وفي الأثناء، ثمة جمهور كبير في الموقع الاجتماعي يقف مذهولا بهذه الأحداث والمعارك، وكثير من الناشطين المحايدين يواجهون هذه الأخبار التي تدعو إلى الاكتئاب بالسخرية، واتخذ بعضهم من اعتصام وقع أمام قصر الرئاسة في قرطاج موضوعا للمزاح، فكتب أحدهم: «»الاعتصام القادم في بيت نوم السيد الرئيس، ضد التهميش». وفي نفس الإطار الساخر، كتب ناشط حقوقي أن الوضع الحالي في تونس يذكر بمقولة جان جاك روسو: «قبل أن أتزوج كان لدي ست نظريات في تربية الأطفال، أما الآن فعندي ستة أطفال وليس عندي نظريات لهم»، ويضيف أننا قبل أن نتخلص من بن علي، كانت لدينا عشرات النظريات في تحقيق النمو والعدالة، وبعد الثورة، أصبحنا نملك عشرات المشاكل والأزمات دون حلول. أما آخر طرائف التونسيين في الموقع، فهي ما تم نشره من أن عماد الطرابلسي قد صرح أن «الثورة لم تحقق بعد أهدافها، وأنه يطالب باستكمال هذه الأهداف»، أليس هذا طريفا ؟