بعد أسبوع من تصريح لأحد أعضاء المجلس الانتقالي الليبي قال خلاله إن بلاده تحتاج الى 1.5 مليون مصري للعمل فيها، قام المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري المصري بزيارة الى بنغازي هي الأولى من نوعها. ولا شك أن ما تخللها في السر هو أعمق بكثير مما رشح حولها في العلن، ومما أعلن من اتفاقيات تؤسس لعلاقات جيدة بين البلدين. فليبيا في العقيدة السياسية المصرية هي عمق استراتيجي لمصر فهي الخزّان الذي يستوعب مئات الآلاف من العمال وهي الامتداد الثقافي لقبائل حدودية لا يفرّق بينها الا خط تم ترسيمه ولكنه لم يمنع الإحساس بالأصول الواحدة وهي بمنطق علم الاجتماع السياسي، كما وصفها العالم المصري الكبير جمال حمدان صاحب رائعة مصر عبقرية المكان، حينما قال عن ليبيا انها أشبه بالجسد الذي يحتوي على رأسين فهي تارة تنظر الى المشرق معتقدة أنها جزء منه وهي تارة أخرى تنظر الى المغرب مخمّنة أنها يمكن أن تكون أحد أجزائه. ولعل تواجد المجلس الانتقالي في منطقة بنغازي التي شهدت أول الاحتجاجات ضد نظام معمر القذافي، قد يجعل ليبيا في هذه المرحلة مشرئبة الأعناق صوب المشرق، مستمدة لهويتها الجديدة منه، مراهنة عليه خصوصا بعد التطورات التي حصلت في مصر وأفرزت أغلبية نيابية من حركة الإخوان المسلمين ومن السلفيين. ولو كانت ليبيا أقل شساعة جغرافيا لامتصها المشرق نهائيا ولكنها لهذا السبب أي الجغرافيا ظلت مرتبطة بالمغرب العربي نظرا لقرب مدنها من تونس والجزائر ولمحاذاة أعداد من سكانها لجيرانهم التونسيين والجزائريين، فهم الى طباعهم أقرب وهم الى مصالحهم أضمن. ولكن ليبيا بلد بترولي تم اسقاط نظامه من قوى تعتبر النفط مسألة حيوية. لذلك فإن التجاذبات حولها لا تهم الجيران فقط بل تتعداهم الى قوى لا ترضى بغير التواجد القوي فيها والتأثير الكبير على سياساتها والتدخل المباشر في قرارها خصوصا في هذه المرحلة التي تشهد تناحرا بين المسلحين وتشرذما بين السياسيين، وخوفا له مبرراته من مستقبل غير واضح.