نسبة النمو في تونس مهدّدة بالنزول لتصل اثنين تحت الصفر، والاعتصامات هي المتهم الأول في إصدار الاقتصاد التونسي لنقاوس الخطر ! «الشروق» حاولت فتح ملف تأثير الاعتصامات على الاقتصاد التونسي وإمكانية اللجوء الى قانون الطوارئ..واتصلت بمصادر مطلعة بدواليب الاقتصاد لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذا التدني في نسبة النمو.. كما حاولت معرفة آراء أطراف أخرى مثل اتحاد الشغل في حلول هذه المسألة. تتواصل اعتصامات عديدة بمناطق مختلفة من البلاد، لا سيما بين فئات المعطلين عن العمل.. وتشير أطراف من جمعيات المعطّلين عن العمل أنه ونظرا الى غياب الحلول الجادة والحوار الذي يفضي الى حلول في نظرهم فإن موجة الاعتصامات مستمرة. من جهة أخرى توقفت اعتصامات أخرى بمصانع حيوية للاقتصاد التونسي، مثل الاعتصامات في قفصة وفي قابس لتعود عجلة العمل الى الحياة. وحسب مصادر حكومية فإن عدد الاعتصامات قد بلغ 513 اعتصامها منذ بداية سنة 2011 وتسبّبت في خسارة حوالي 100 ألف موطن شغل.. فيما بلغ العجز التجاري 4.8٪.. وبلغت نسبة التضخم 4.4٪ وهي أعلى نسبة له منذ خمسة أعوام. قراءة اقتصادية الاقتصاد التونسي أصدر صفارة التحذير.. وآراء المواطنين تباينت من خلال شبكة التواصل الاجتماعي بين داع الى إقامة «هدنة» مع الحكومة وإعطائها فرصة للعمل.. وقد مضى هذا القسم الى الدعوة الى تطبيق قانون الطوارئ «بكل حزم» حتى تعود عجلة العمل الاقتصادي للدوران.. فيما ذهب قسم ثان الى اعتبار الاعتصامات حقّ مشروع في التعبير في ظل غياب الحلول والحوار البناء.. وأن منطق القوة قد انتهى مع «بن علي» والثورة قامت من أجل إعطاء المواطن الحق في التعبير. وخلال حديث مع السيد علي عبد اللّه المختصّ في الاقتصاد، علق على نسبة تدنّي النمو ب(2 ٪) بأنها «مؤشر خطير..» قائلا «كنا نطمح للبقاء في نسبة 0٪.. لكن تدني النسبة بهذا المعدل أمر خطير..». وحول أسباب هذا التدنّي شرح الدكتور علي عبد اللّه الموضوع قائلا بأن آلة الانتاج قد تعطّلت وأسبابه جدّ واضحة.. وقد حصلت في الوزارات فترة من «الفراغ» خلال الانتخابات والانتقال الحكومي. وأضاف بأن خسارة نقطة من النمو تتسبب في خسارة حوالي 16 ألف موطن شغل تقريبا. وقال إن التوقعات كانت إيجابية بإمكانية استعادة الاقتصاد التونسي لعافيته لكن موجة الفوضى والاعتصامات وغياب الأمن التي وقعت عطلت الاقتصاد فتعطل القطاع الصناعي من فسفاط وطاقة.. وتعطلت السياحة.. وكذلك النشاط الفلاحي الذي تذبذب «لذا من الضروري أن تعود عجلة العمل الى الدوران لتغطية العجز واسترداد نسب النمو الضائعة». واعتبر الخبير الاقتصادي أن هذه المهمة ليست بالمستحيلة. وقال «لا بدّ من الخروج من التفكير الضيّق في الايديولوجيات ولا بدّ من مراعاة الأولويات في طرح قضايا للنقاش..» هناك مسائل مستعجلة.. وعلينا أن لا نستمرّ في محاربة بعضنا البعض دون بوصلة توجهنا.. فالاقتصاد في العالم يتحرك.. وعجلة الزمن تستمر ولن تنتظرنا». وأكد الدكتور علي عبد اللّه على أن استثمار الفشل الاقتصادي يهدّد بفشل الثورة وأنه لا بد من الخروج من المطالب الفئوية والنخبوية والابتعاد عن خطاب اللغة الخشبية وكأننا نقرأ في مجلة أجنبية». قانون الطوارئ هل تنفيذ قانون الطوارئ هو الحل؟ إجابة على هذا السؤال والاقتراح الذي جاء به البعض يقول الدكتور علي عبد اللّه انه من المهم إيقاف الاعتصامات التي تضرّ بسيرورة العمل وتوقف عجلة الاقتصاد وأنه من الضروري تطبيق القانون وأن يشعر المواطن بأن هناك قانونا يحميه وأن كل مذنب يعاقب.. فالصرامة لها بعد رمزي وتوحي بعودة العدالة.. وأضاف بأن المواطن يشتكي من قلّة التنفيذ وغياب السلطة الرمزية، ويريد حلولا معيشية بعيدا عن بقية المتاهات. قصد الحصول على موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من موضوع الاعتصامات والاتهامات الموجهة بأنها السبب في انكسار الاقتصاد التونسي اتصلنا ب السيد سامي الطاهري الأمين العام المسؤول عن الاعلام والاتصال والنشر. يقول سامي الطاهري ان هناك 80٪ من الاعتصامات الاتحاد ليس مسؤولا عنها ولا صلة له بها. وأضاف «نحن مع حق العمال في التحرّكات ولا يمكن باسم الاقتصاد أن نمنع الحريات.. فالاعتصام والتجمع وحرية التعبير هي حقوق جاءت بها الثورة..». وأضاف محدثنا بأن تدهور وضع الاقتصاد لا يعود فقط الى الاعتصامات. الاعتصامات بريئة !! ويقول المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل إن تراجع عجلة الاقتصاد تعود الى أسباب خارجية فهناك وضع عالمي متأزّم.. والاقتصاد التونسي يرتبط بالاقتصاد العالمي.. وأن تراجع الاستثمار العالمي والوضعية في ليبيا كلها عوامل ساهمت في اهتزاز نموّنا الاقتصادي. ولاحظ غياب البرامج الواضحة للخروج من الأزمة وأن هناك اتكال على الشعارات لا على أمور ملموسة. وقال «الإلقاء بأسباب الفشل على الاتحاد هو أمر تجاوزناه مع بن علي، فهو من كان يخلق من يسمّيهم بأعداء الوطن.. ويجب الاقلاع عن هذه التبريرات.. فمسؤولية الاقتصاد هي مسؤولية من يحكم ومسؤولية الحكومة التي تملك الأموال لا مسؤوليتنا..». وأضاف «البلاد تعيش أزمة ولا بدّ من بناء حوار وطني مسؤول.. حوار لا تكون فيه حرية المواطن هي كبش الفداء.. الحرية أولا والحق في الاحتجاج فلولا هذه الاحتجاجات لم تكن لتشعر بما تعيشه فئات عديدة من تهميش وفقر ومعاناة».. وأكد السيد سامي الطاهري أنه لا سبيل الى الرجوع الى سياسة تكميم الأفواه. وفي السياق نفسه أكد محدثنا أن هناك رفض لتطبيق قانون الطوارئ فالحوار هو الحل ولغة العنف لا تنفع! وأكد أن الحوار ليس لامتصاص الغضب فحسب بل الأهم هو إيجاد الحلول وتنفيذها.