تونس الشروق : أسلوب جديد ينضاف الى ظواهر الاحتجاجات في تونس فبعد الشارة الحمراء والاضراب والتظاهر والاعتصام، ظهر بعد الثورة شكل احتجاجي جديد لكنه خطير وهو قطع الطرقات، حيث تعمد مجموعة من المواطنين الغاضبين الى قطع الطرقات بالشجر أو الحجر أو الأشخاص وهو ما شهدته كل من النفيضة وكندار وقفصة وسليانة وتطاوين والحمامات... ما يعطل الحركة ويؤثّر على الاقتصاد ويضرّ بالتجارة ويخلق الفوضى. وبالرغم من أن المحتجين لديهم أسبابهم التي دفعتهم الى اللجوء الى هذا النوع من الاحتجاج فإن هذا الاسلوب غير مقبول مهما كانت دوافعه. فالثورة اندلعت من أجل الحرية وليس للحد من حريات الآخرين والتعرّض إليهم وتعطيل مصالحهم، والتعدّي على حقوقهم، بأسلوب غير واع وغير مسؤول. وقد يؤدي هذا النوع من الاحتجاج في أحيان كثيرة الى عواقب وخيمة تضرّ بالطرفين خاصة إذا ما تطوّر الى استعمال العنف والضرر بأملاك الغير مما ينجرّ عنه التتبع العدلي بالنسبة الى المتهم والخسارة المادية والمعنوية بالنسبة الى المتضرر. فما هي أسباب ونتائج قطع الطريق وأي تبعات قانونية واقتصادية واجتماعية لها. ظاهرة جديدة ونوع جديد من الاحتجاجات لكنها تاريخيا ليست كذلك، فهذا السلوك المتمثل في قطع الطرقات والغريب على المجتمع التونسي كان من أبرز الظواهر في عهد الاستعمار وحتى ما بعد الاستقلال حيث كان يعمد جماعات من الناس الى قطع الطريق على جماعات أخرى لأغراض تجارية بالأخصّ وهو ما خلق العروشية التي قضى عليها بورقيبة فيما بعد وللأسف بدأت تعود اليوم. وفي هذا الصدد يقول السيد عبد الرزاق هيشري إن هذا السلوك (قطع الطريق) غير مقبول وخاصة في هذا الظرف بالذات فالبلاد في حاجة الى دورة اقتصادية يومية حتى تستعيد ما سرق منها. ويضيف السيد عبد الرزاق «لابد من معاقبة كل من يتجرأ ويقطع الطريق على الناس حتى يتحمّل كل واحد مسؤوليته». نفس الشيء يؤكّده أيمن حول تعطيل حركة الاقتصاد والاضرار بمصالح الغير مضيفا أن القانون هو الفيصل في مثل هذه الظروف مشدّدا على ضرورة تسليط أشدّ العقوبات على مرتكبي مثل هذه الجرائم. جريمة خطيرة «نحن لسنا ضد الاعتصامات لكن بأسلوب حضاري وفي اطار احترام القانون يقول السيد محمد «الطريق العام ملك للجميع وهذا السلوك غير مسؤول وهو ضد مصلحة البلاد فكيف يعمد هؤلاء الى تعطيل مصالح الغير باسم الحرية والثورة؟! هل من أجل الفوضى والتعدي على حقوق الناس اندلعت هذه الثورة؟! يؤكد محمد لابد أن يعاقب كل من يرتكب مثل هذه الجريمة الخطيرة» وبغضب شديد يتساءل السيد محمد علي «من هم هؤلاء الذين يعمدون الى قطع الطريق؟ هم أشخاص منحرفون لا شغل لهم سوى الجلوس في المقاهي لابد من معاقبتهم حتىنحد من هذه الظاهرة الخطيرة. ولابد أيضا من توفير مواطن شغل تلهيهم على مثل هذا السلوك غير المسؤول». ونفس الشيء يؤكّده السيد عبد السلام الرحموني مضيفا أن الاعتصامات في الطرقات غير مبرّرة وغير مقبولة، وهي تؤدي الى الشغب وخلق الفوضى لذلك لابد أن يكون القانون صارما في مثل هذه الظروف. المسؤولون مسؤولون ولكل رأيه في ظاهرة قطع الطرقات حيث يرى السيد محمد السنوسي أن المسؤولين هم المتسبّبون في تفشي هذه الظاهرة لعدم اهتمامهم بهذه الجهات وهو ما يساهم في تشنّج وغضب الاهالي والالتجاء الىمثل هذا النوع من الاحتجاج. وفي نفس الوقت يقول محمد «نحن لا نبرّر هذا التصرّف لكن نتفهّمه وإذا ما تجاوز حدّه فالقانون يأخذ مجراه». مراد المهنّي (باحث في علم الاجتماع): نظام المخلوع غذّى ثقافة الغنيمة قطع الطرقات ظاهرة لا ترتبط بثقافة الاحتجاج بل لها علاقة بثقافة الغنيمة. ما معنى ثقافة الاحتجاج؟ هي مجموعة الوسائل والطرق التي تمكّن الأشخاص من التعبير عن احتجاجاتهم والدفاع عن مصالحهم بالطرق السلمية دون الإضرار بمصالح الغير وتفترض التنسيق مع المؤسسات والسلط المرتبطة بموضوع الاحتجاج. ما معنى ثقافة الغنيمة؟ تلك الثقافة التي تؤكد النزعة الأنانية المرتبطة باغتنام الفرص في وضعيات صعبة وهي تعبّر عن عدم استعداد للتفاوض وعدم احترام حقوق الآخرين. إن تفشي هذه الظاهرة في هذه المرحلة الانتقالية هو مرتبط بأمرين أساسيين: 1 تجذّر ثقافة الغنيمة لدى الكثير من الفئات الاجتماعية في تونس وهذه الثقافة تتعارض كليا مع قيم ومبادئ ثورة الكرامة والحرية التي عرفتها بلادنا وهي تأكيد لهذا القول المأثور وهو «الثورة يخطط لها الأذكياء ويقوم بها الشجعان ويغتنم منها الانتهازيون». 2 الاغتنام في زمن الثورات هي حقيقة اجتماعية عرفتها كل الثورات والانتفاضات في العالم مثل ظهور فئة أغنياء الحرب. وهذه الظاهرة تعبّر عن ضعف التقاليد المدنية وتدني الوعي الحقوقي وهذا ناتج في تقديري عن طبيعة النظام الشمولي الذي عرفته تونس زمن المخلوع حيث غذى هذا النظام ثقافة الغنيمة وعرقل تصوّر الممارسات الديمقراطية بما فيها الممارسات الاحتجاجية. السيد رشيد سالم: (رجال أعمال): ظاهرة تضرّ بكل القطاعات هذا السلوك غير مقبول وهو فعل مرفوض يضرّ بكل الناس ظاهرة سلبية جدا لكن هي نتاج تراكم مجموعة من الأفكار وبصفة عامة هي جلب لإنتباه المسؤول حتى يستجيب لطلبات المعتصمين حسب تفكيرهم. ولأن كل العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مترابطة فإن ظاهرة قطع الطرقات تضرب بكل القطاعات ولعل أهمها هروب المستثمرين من الجهات التي يعمد أهاليها إلى ممارسة هذا السلوك غير القانوني ولتجاوز هذه الظاهرة لا بد من العمل على تكافؤ الفرص بين الولايات خاصة المناطق الداخلية فمثلا اليد العاملة المتوفرة في قفصة والكاف وسيدي بوزيد وسليانة نزحت كلها إلى الساحل لعدم توفر مناطق شغل في جهاتهم لأن المستثمر لا يستطيع تركيز مشاريعه في ولاية تفتقد لأبسط الخدمات فهل يعقل أن ولاية قفصة تفتقد لمقر بنك؟ هناك مركزية في العاصمة وهو ما أضرّ بالجهات. وللأسف الشديد الحكومة الحالية ومجلس حماية الثورة يمثلان تيارات معينة متغافلين عن البحث عن حلول لهذه الأزمات التي تسببت تصعيد ظاهرة الإحتجاجات. رجل قانون: جريمة في القانون التونسي قطع الطريق يشكل جريمة في القانون التونسي، وهذه الجريمة منظمة بموجب الأمر المؤرخ في أفريل 1953 واسمها القطع المدبر للجولان والطرقات وتتراوح مدة العقاب من سنتين الى 5 سنوات سجن وباستطاعة المحكمة أن تخفف من المدة اذا كان القطع في النهار والمتهم خال من السوابق العدلية أما اذا وقعت الجريمة ليلا لا يتمتع المتهم بظروف التخفيف. وهناك أيضا جريمة اسمها تعطيل حرية الخدمة منصوص عليها بالمجلة الجزائية، الى جانب عدة جرائم أخرى مثل الضرب أو الاضرار بملك الغير منصوص عليها في الفصل 304 من المجلة الجزائية وعقوبتها تصل الى 3 سنوات سجن والاعتداء بالعنف الشديد وعقوبته تصل الى 6 سنوات سجن. أما بالنسبة للاعتصام لديه مفهوم آخر في المجلة الجزائية مثال الاعتصام الذي يمنع موظف من أداء مهامه أو اجبار موظف على أداء مهمة تتجاوز مهمته الأصلية أو اجباره على أخذ قرار يتجاوزه تحت طية الاعتصام. واذا كان الاعتصام باستعمال السلاح أو العنف أو التهديد العقاب يكون أرفع ومنصوص عليه في الفصل 137 من المجلة الجزائية. الأستاذ محمد الغريوي (خبير اقتصادي): عائق أمام سيرورة الكيان الاقتصادي ظاهرة قطع الطرقات تعد عائقا أمام سيرورة الكيان الاقتصادي باعتبار أن سلامة المعاملات تعد ركنا أساسيا في المجال الاقتصادي. ان الطرقات من الشرايين الأساسية لحركية المعاملات لذلك اذا لم يتمكن المزود من ايصال سلعته في الزمان المحدد وفق التراتيب المضبوطة ينجر عن ذلك تأخير يتحمل مسؤوليته المزود الذي منع من ايصال سلعته في الابان والحريف الذي حرم من وصول السلع في الوقت والنتائج المتأتية من ذلك في ما يخص طرق التمويل وكلفته هذه العملية وان كانت مفهومة للفت انتباه الرأي العام الى مشاكل اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بقيت دون حل فهي مكلفة للاقتصاد ككل. وان كان العائد المرتقب جلب انتباه من يهمه الأمر لأخذ القرار فإن المسعى لا يجب اعتماده لأن الضرر المتأتي منه يفوق المنفعة المرتقبة اذ كانت هذه الطريقة متبعة في بعض الدول حينما ينعدم الحوار فإنها تفيد بعدم الالتجاء اليها الا كآخر حل ممكن، لذلك أصبح التوافق بين وجهات النظر يضمن سلامة المعاملات واحترام المصالح وعدم التفكير في كلفة زائدة يمكن الاستعناء عنها. ان التوافق يولد تضامن المصالح وتشابك الأهداف والتحلي بالأخلاقيات الواجبة لسيرورة المنظومة الاقتصادية في اطار تضافر الجهود. وزارة الداخلية يتواصل في عدة جهات غلق بعض الطرقات الوطنية ومداخل المنشآت الاقتصادية على خلفية مطالب اجتماعية مما يتسبب في تعطيل حرية الشغل وسير حركة المرور وتعطل مصالح المواطنين ومصالح المؤسسات الحيوية بالبلاد. وإذ تعتبر وزارة الداخلية أن التظاهر السلمي والمطالبة المشروعة حقا لكل مواطن تونسي، فإنها تدعو إلى تجنب مثل هذه السلوكيات الخطيرة التي تضرّ بمصالح المواطنين ومصالح المنشآت الاقتصادية والحيوية في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد.