قراءات عديدة قوبلت بها مبادرة الوزير الأول بلقاء الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي , بين المتكهن بقرب تشكيل حكومة إنقاذ وطني ,وبين منبئ ببعث فضاء للحوار الوطني يصل الشرعية بالوفاق , وبين من يؤكد أن اللقاء يأتي تنفيذا لوعد الوزير الأول في بيان الحكومة بدعم الحوار الوطني , وبين متحدث عن وقوع الحكومة في مأزق كثرة الضغوطات السياسية و الاحتجاجات الاجتماعية و استنجادها, بعد مكابرة , بخصومها بحثا عن الاستقرار الاجتماعي و السياسي الضامن لاستعادة النمو والالتفات لحل تحديات التشغيل و التنمية الجهوية و الفقر و ارتفاع الأسعار ... ومهما كانت أسباب وخلفيات هذه اللقاءات وما دار فيها وما يمكن أن تؤدي إليه في قادم الأيام والأسابيع,فإنها لايمكن إلا أن تكون مفيدة لكل الأحزاب , و قبلها جميعا , للبلاد. إذ ليس المهم أن تكون الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي مشاركة في الحكومة, بل مشاركة في رسم الخيارات الوطنية الكبرى, و مساهمة في وضع برنامج وفاقي لهذه المرحلة الانتقالية الظرفية أو المؤقتة, مثل مساهمتها في صياغة الدستور وبقية القوانين المنظمة للحياة السياسية التي ستبني الجمهورية الثانية والدولة المدنية الديمقراطية, التي تنتصر لمبادئ الحريات والحقوق الأساسية والعدالة الاجتماعية. إن الصراع, أو لنقل الاختلاف, ليس من أجل المواقع أو الكراسي، بل من أجل الخيارات والبرامج, لأن الإنقاذ الوطني لا يتأتى فقط من الحكومة, مهما توسعت تركيبتها وتعددت, بل هو واجب وطني لكل التونسيين في مختلف المواقع و الجهات, يفرض العمل والتضحية والتصدي لكل ما من شأنه المساس بوحدة البلاد وشعبها وأمنها واستقرارها ونمائها. وعلى الحكومة الحالية ألا تغتر بأغلبيتها لتتفرد باتخاذ القرار وتجعل الحوار أو الاستشارة بروتوكولية إذ تسمع المقترحات ولا تأخذ بها, وعلى المعارضة ألا تسقط في إعاقة البلاد وهي تقصد عرقلة الحكومة أو إحراجها أمام الشعب في محاولة لإفراغ برامجها من محتواها. إن الجميع في سفينة واحدة, والخير والشر لن يصيب أحدا ويستثني آخر, والحكومة والمعارضة يتمتعان بنفس الشرعية, مهما اختلفت نسب التصويت, ولا يمكن لطرف أن يقصي الآخر إلا عبر الصندوق الذي جاء به عقب انتخابات لم نسمع تشكيكا فيها إلى الآن. ان من يحب البلاد ,ولا أعتقد أن هناك من لا يحبها, مطالب بالعمل على نمائها و المساهمة في تحقيق أهداف الثورة, بلا أنانية وبصبر وبتحسيس الفئات الهشة والفقيرة التي نفد صبرها بإمهال الحكومة فترة أخرى مع ضرورة التكفل بالمجموعات ذات الاحتياجات الخصوصية والفاقدة لأي مورد رزق, في انتظار معالجة بقية الملفات وإيجاد الحلول للبقية كلما تحسن الوضع , وعديد المؤشرات الايجابية تدفع إلى ذلك.