السلطة التونسيّة تستقبل الشيخ أبوجرة سلطاني فمتى تستقبل الشيخ شورو؟
تونس - الحوار.نت - لم تكن السلطة التونسيّة المعادية لكل ما هو موروث وحضاري وديني لديها الاستعداد لقبول إسلاميّين فوق الأرض التي استحوذت عليها، ولم تكن حتى تفكر في ذلك قبل أن تجد نفسها مضطرة تحت تقاليد ومراسم الدولة وتحت ضغط المصالح المتبادلة بينها وبين الجارة الجزائر لاستقبال الشيخ أبو جرة سلطاني رئيس حركة مجتمع السلم "حمس" والوجه الإسلامي الإخواني المعروف والرمز البارز في الحياة السياسيّة والبرلمان وهياكل الدولة الجزائريّة، ولم تكن هذه أول تنازلات نظام 7 نوفمبر، ولن تكون الأخيرة لأنّ هناك شخصيّات سياسيّة إسلاميّة كسرت الحجر قبل هذا وخلصت السلطة التونسية من عقدتها المستديمة ، وهناك من هم قادمون في الطريق لينغصوا على "جماعة التغيير" متعة العداء لكل ما هو إسلامي.
صحيح أنّه وقبل هذا كان بن علي قد أعطى أوامره بمنع بعض الكوادر الإسلاميّة الليبيّة من دخول التراب التونسي رغم أنّهم مبعثون من مؤسسات رسمية كما فعل سابقا مع شخصيّات أردنيّة وغيرها، لكن يبدو أنّ سياسة المنع هذه ستصطدم وتتفتت بمفعول كثافة الشخصيّات الإسلاميّة التي انخرطت في أجهزة دول بلدانها الرسمية والتي ومن سوء حظّ النظام التونسي صادف وسيصادف أن تكون لها مهام رسميّة أو ودية في تونس.
منهج النظام التونسي في التعاطي مع مثل هذه الأمور تغيّر من سياسة المنع المغلظ إلى سياسة التعويم وقد دشن ذلك حين استقبل عدّة شخصيّات إسلاميّة أندونسيّة وتركيّة وماليزيّة ليختم المشهد باستقبال الشيخين يوسف القرضاوي وسلمان بن فهد العودة، لكنّه وضع ضوابط وخطط لهذه الزيارات والوِفادات بحيث تُعوّم ولا يكون لها الصدى المذكور، وقد ركزت السلطة التونسيّة على تجفيف كل هذه الزيارات إعلاميّا بحيث يُستعمل الزائر وربما توظف زيارته بخبث ودهاء دون أن يرشح عنها ما تستفيد منه الساحة التونسيّة سوى الدعويّة أو السياسيّة أو غير ذلك.
الشيخ أبو جرة سلطاني الذي دخل إلى تونس بحكم تقاليد الدولة وليس بحكم الاستضافة والدعوة والترحيب تنقلت لمقر إقامته جريدة الصباح لتجري معه حوارا يبدو في الوهلة الأولى غريبا، لكنّه في الأخير يبقى مدروسا ومضبوطا ضمن خطة مسبقة تستفيد من الحدث وتتحرك به لتثبت من خلاله الكمّ الهائل من الانفتاح الذي تعيشه تونس تحت حكم "التغيير الرشيد" وحتى يحصل الانطباع من أنّ الصحيفة مفتوحة على كل الحساسيّات الفكريّة والثقافيّة ولديها مساحة مريحة ومرنة من الحريّة فقد نوّع صالح عطية من أسئلته وحاول تقمص دور الصحفي المستقل وسأله حتى عن كيفية إجراء مصالحة تقصى منها الجبهة الإسلاميّة للانقاذ التي يفترض أن تكون الشريك الرئيسي في أي مصالحة بحكم أنّها الطرف الرئيسي في الأزمة.
يبدوأن الخناق ضاق على الرئيس التونسي والوقائع الخارجية تسير بغير ما يريد، ويبدو أنّه وفي الأيام القادمة وتحت ضغط الأمر الواقع سيسمح لسلطته بأن تستقبل سلطاني ما دام مرده إلى بوتفليقة والجزائر، وتستقبل أردوغان ما دام مرده إلى تركيا وجيشها، وتستقبل بن كيران مادام مرده إلى المغرب وعاهلها ...، لكن الحجر كل الحجر على استقبال شورو أو العريض أو اللوز أو الجبالي لأنّ مردّهم وتهمتهم الوحيدة أنهم " توانسة". ---------------- نص الحوار الذي أجرته جريدة الصباح مع الشيخ أبو جرة أمين عام حمس الجزائرية للصباح جهات خارجية تنفخ في قاعدة المغرب الإسلامي.. لتبرير التدخل في شؤوننا
استخدام العنف للوصول إلى السلطة محظور.. وللبقاء في السلطة غير مقبول.. قال أبو جرة السلطاني، الأمين العام ل «حركة مجتمع السلم» الجزائرية، أن الجزائر، طوت ملف الإرهاب، وفتحت ملف الفساد لاستئصال المفسدين في كل المستويات، موضحا أن الحكومة قررت منذ فترة مكافحة الفساد من أجل إعادة الهيبة للدولة..
وكشف السلطاني، الشريك السياسي في الحكومة الجزائرية، في حوار ل «الصباح» في أعقاب زيارته مؤخرا إلى تونس، عن أن «الجزائر دخلت الربع ساعة الأخير من المصالحة الوطنية، بما يجعلنا نطوي عشرية التسعينات بشكل نهائي، وندخل مرحلة من الشراكة السياسية الواسعة والجادة».. وحول ما إذا كانت الجزائر قد تخلصت من الصراعات السياسية والتناحر حول السلطة، أكد الأمين العام لحزب (حمس)،أن الجميع اقتنع في البلاد أن «استخدام العنف للوصول إلى السلطة محظور، كما أن استخدامه للبقاء في السلطة غير مقبول أخلاقيا وديمقراطيا».. وفيما يتعلق بظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي تهيمن منذ فترة على المشهد السياسي والإعلامي في الغرب، شدد أبو جرة السلطاني على أن «الإسلاموفوبيا اختراع غربي لكي يبقى مفهوم «نحن والآخر» قائما»، ملاحظا أن بعض من يتحدثون باسم الإسلام في الغرب، يقدمونه بشكل يزيد في تعميق هذه الظاهرة واستفحالها.. وفيما يلي نص الحوار:
أجرى الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة مؤخرا، تعديلات في مستوى المحافظين، إلى جانب إجراءات «التطهير» التي قام بها محافظ الشرطة في الجزائر لعديد المسؤولين الأمنيين. ويتردد أن هذه التعديلات لها علاقة بالفساد في المؤسسات والمحافظات وبعض الدوائر الأمنية.. هل من تفاصيل حول هذا الموضوع؟
رئيس الجمهورية بمقتضى ما يخوله له الدستور من صلاحيات، يملك الحق في أن يحدث التغييرات التي يراها مناسبة لتسهيل تنفيذ برنامجه في أي وقت يشاء وعلى كل المستويات.. ففي هذا الإطار، وفي سياق توسيع دائرة مكافحة الفساد والذهاب إلى العمق، كان يرى ضرورة استبدال بعض الحقائب الوزارية والوجوه وبعض رؤساء المؤسسات التي لها علاقة بمكافحة الفساد، وأعتقد أن تجربته التي تدخل اليوم سنتها الثانية عشرة، أعطته صورة واضحة على الاستعانة بالرجال الذين يثق فيهم، من أجل مواصلة تنفيذ برنامجه وفي مقدمته، العمل على إعادة هيبة الدولة الجزائرية، وفتح ملف الفساد على مصرعيه، لينهي هذه القضية بالشفافية المطلوبة..
لكن طرح ملف الفساد، سيثير الكثير من الأجنحة والأطراف الأخرى، السياسية والحكومية، بل حتى صلب المؤسسات الفاعلة في الدولة الجزائرية...
فتح ملف الفساد، مثل فتح ملف الإرهاب.. الإقدام على مكافحة الإرهاب، قرار صعب ولكن لا مفر منه.. وكما أن الجزائر عانت خلال العشرين سنة الماضية، مما يسمى في وسائل الإعلام ب «المأساة الوطنية»، فواجب عليها اليوم وقد طوي ملف الإرهاب أن تفتح ملفا آخر لا يقل عنه خطورة، وهو ملف مكافحة الفساد، الذي كان من أسباب انتشاره وهيكلته، أن الدولة كانت منشغلة بمكافحة الإرهاب واستتباب الأمن، واليوم وقد تحقق ذلك، ووصلت المصالحة الوطنية مرحلة الربع ساعة الأخير منها، فوجب فتح الملف، وأن تتعاون كل مؤسسات الدولة والأحزاب والمنظمات والهيئات والاتحادات والنقابات، من أجل مواجهة هذه الآفة التي لا يمكن أن تنجح الجزائر في تطوير نفسها، وفي تحقيق نسبة نمو تتماشى وإمكاناتها، إلا إذا ما انتصرت على المفسدين كما انتصرت على الإرهابيين..
تحدثت عن الربع ساعة الأخير في مجال المصالحة.. ما هي ملامح هذه المرحلة؟ وإلى أي مدى يمكن أن نتحدث عن مصالحة في الجزائر، في غياب (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، الطرف الذي يفترض أن يكون الجهة الأساسية في أية مصالحة؟
الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لم تكن شيئا واحدا.. كانت رؤوسا ومؤسسات كثيرة، وحتى الذين حملوا السلاح، لم يكونوا قيادة واحدة، فقد تفرقوا، وانتهت بعض المكوّنات إلى نوع من العدمية التي لا ترى في الآخر إلا عدوّا ينبغي قتله والتخلص منه... وبالطبع بالجرعات الثلاث التي مارسها مختلف رؤساء الجمهورية من سنة 1994 عندما فتح «باب الرحمة»، ثم في العام 1999 عبر «الوئام المدني»، إلى سنة 2005 التي رفعت شعار «المصالحة الوطنية»، استطاعت هذه الجرعات بإجراءاتها المختلفة، الأمنية والاجتماعية والقانونية والشرعية، أن تستوعب كل الذين ضلوا الطريق، وتحاول أن تعوّض عوائل الذين تضرروا من «المأساة الوطنية...اليوم اقتنع الجميع في الجزائر، أن الإرهاب طريقه مسدود.. وأن استخدام العنف للوصول إلى السلطة، أمر محظور.. واستخدام العنف للبقاء في السلطة أمر غير مقبول ديمقراطيا ولا حتى أخلاقيا.. وبالتالي فالربع ساعة الأخير الذي ننتظره، هو كون بقايا الإرهاب والمتضررين ومن لم تصلهم حقوقهم بعد، على رئيس الجمهورية استخدام صلاحياته المقررة في الدستور والتي نصت عليها المادة 47 من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، باتخاذ ما يراه مناسبا لإنهاء هذه المأساة.. فنحن ننتظر في حركة مجتمع السلم، أن يبادر السيد رئيس الجمهورية بالإعلان عن عفو شامل مشروط..
كيف يكون شاملا ومشروطا في ذات الوقت؟
أي أن يعلن عفوا شاملا بطي صفحة المأساة الوطنية نهائيا، وأن يشترط شرطين: الأول أن لا يعود أحد إلى استخدام العنف، والثاني ألا تقلّب صفحات هذا التاريخ المؤلم، حتى لا ننكأ الجراح، فلا نذرّ الملح على جراحنا المفتوحة..
على ذكر انتصار الجزائر على الإرهاب. كيف تفسرون وجود «قاعدة المغرب الإسلامي» على مقربة منكم.. هل أنتم بمنأى من خطورة هذا التنظيم؟
أعتقد أن الإعلام نفخ كثيرا في «قاعدة المغرب الإسلامي»، وهناك جهات خارجية تعمل على أن تخلق هذا البعبع وتضخمه كثيرا..
من هي هذه الجهات، وما هي مصلحتها من هذا التضخيم؟
لا أستثني هنا أوروبا وأمريكا اللذين يريدان وضع قواعد متقدمة في مغربنا العربي وفي إفريقيا أيضا، وبالتالي لا بد أن ينفخوا في هذا البعبع، لكي يكون ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول... نحن كافحنا إرهابنا بأنفسنا، وحملنا شعار لكل دولة إرهابها.. ولكل دولة طريقتها في مكافحة إرهابها.. وقلنا بوضوح: نحن لا نقبل بالتدخل في شؤوننا الداخلية، كما لا نقبل بأن نطارد الإرهاب في دول أخرى.. وأعتقد بأن التعاون الإقليمي واجب بين مختلف الدول لتأمين الحدود، والتعاون التقني مطلوب أيضا، لكننا نرفض التدخل العسكري أو الأمني بأي صيغة من الصيغ، ومهما كان المبرر..
مرت الآن أكثر من 15 عاما من دون قمة مغاربية.. أليس هذا دليل واقعي على فشل الوحدة المغاربية؟
نعتقد أن الفشل مرتبط بظروف طارئة، ولن يدوم كثيرا.. الشعوب تتواصل وتتآخى وتتصاهر.. ويحب بعضها البعض.. ويوجد فيما بينها امتداد ديني وتاريخي وجغرافي واجتماعي، وبالتالي فمهما ادلهمت الظلمات لسبب أو لآخر، نعتبر أنها سحابة صيف، سنعرف كيف نستدركها باتجاه وحدة مغربنا..
لكن العديد من المراقبين يعتبرون أن مشكل الصحراء الغربية هو السبب الرئيسي في تأجيل وحدة المغرب العربي؟
دون شك، هي عائق كبير.. لكن في اعتقادي أنه إذا ما ذللنا هذا العائق فسوف تبرز عوائق أخرى.. كان بإمكان دول مثل تونس وليبيا وموريتانيا التي ليس لها علاقة مباشرة بهذا الموضوع، أن تضغط باتجاه تأجيل هذا الموضوع وتركه لتقدير الأممالمتحدة، التي ستجد حلا لهذه المعضلة، سواء من خلال الاستفتاء أو تقرير المصير أو غير ذلك من الخيارات..
بعد «الإسلام السياسي»، تهيمن حاليا مقولة «الإسلاموفوبيا»، التي تتجرع منها الجاليات المسلمة في أوروبا الويلات. كيف يمكن أن نتعاطى مع هذا الموضوع؟ ما هو أفقه؟ وكيف بوسعنا تجاوزه؟
أحيانا بعض المتحدثين باسم الإسلام، لا يقدمونه على الطبق الراقي الذي يفهمه الآخر.. نحن لا ينبغي أن نبرئ أنفسنا من أننا أحيانا نسيء إلى ديننا، فنقدمه في ثوب مرعب يخيف الآخر.. أعتقد أن من ابتدعوا فكرة المواطنة كانوا محقين، في أن يجعلوا هذا الدين يتساكن ويتعامل إيجابيا مع بقية الأديان الأخرى التي توجد في القطر الواحد، وأن نتجاوز التصنيف الديني: إسلام ويهودية ومسيحية، ونبحث عن المشترك الواحد بيننا جميعا.. أما عن «الإسلاموفوبيا»، فهو اختراع في اعتقادي من أجل أن يبقى مصطلح «نحن والآخر» قائما.. اليوم ينبغي أن نمحو هذا المفهوم، لنصل إلى مفهوم «نحن.. ونحن».. بمعنى أن الكرة الأرضية اليوم صارت عبارة عن قرية واحدة، يتعاون المليارات الستة من البشر الموجودون على كوكبها فيما بينهم لمواجهة معضلات كثيرة، منها الحروب والأوبئة والأمراض الفتاكة والتلوث البيئي والتغير المناخي والتوازن الايكولوجي، الخ.. وحينما نجلس لكي نبحث القاسم المشترك فيما بيننا جميعا، فإننا سنجد أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.. ونصيحتي للجاليات المسلمة في الغرب، هو أن يحرصوا على تقديم الإسلام في الثوب الذي يفهمه الآخر، لأننا لا ينبغي أن نحمل الناس على ما لا يريدون، كما لا نرغب في أن يكرهنا الناس على ما لا نريد.
لكن هذا «الآخر» الذي تريد أن نجعله «نحن»، يراه كثيرون عدواّ، يقتلنا وينهب ثرواتنا!
لا بد أن نعمل على أن نكسب ودّه مع طول الزمن.. والزمن جزء من العلاج.. إذا لم يفهمنا بالأمس سيفهمنا اليوم، وإذا لم يفهمنا اليوم سيتوصل إلى ذلك غدا... المهم أن لا تكون العداوة منا، وإذا ما صدرت عن الآخر، فلنا أن ندافع عن أنفسنا، كما نص على ذلك ديننا والمواثيق الدولية.. أجري الحوار صالح عطية