إذا كان من حق المحتاجين والمعطلين عن الشغل وفاقدي الدخل والسند الاحتجاج والضغط على الحكومة لتحقيق مطالبهم المشروعة في العمل والسكن والتغذية... فان طرق احتجاجهم مرفوضة ولا تبيحها القوانين ولا قيم المواطنة, وتتعارض مع حب الوطن والتضحية من أجله, فلا يعقل أن يقطع مواطن الطريق أو يعطل مؤسسة أو مصنعا من أجل تحقيق أهدافه. ومن المفارقات أن أغلب المحتجين وهم يقطعون الطرق أو يمنعون الإنتاج يرددون بحماس النشيد الوطني ويؤكدون «نموت نموت ويحيا الوطن». إن حياة الأوطان, ومعها حياة الشعوب, لا تتحقق إلا بالعمل والإنتاج وخلق الثروة وتقاسمها بعدل، وكل من أتى العكس, ومهما كان وضعه والصعوبات التي يعيشه, يكون محجوجا وملاما. و ما تشهده عديد مناطق بلادنا من اعتصامات وقطع طرقات وتصرفات تقترب من العصيان المدني هو صورة سيئة لتغول المواطن على الدولة ولتمرده على مؤسسات الدولة الشرعية وتعديه على هيبتها, ودون اتهام لأي طرف سياسي بالضلوع في هذا التصرفات, فإن المؤكد أن تعطيل التنمية وخلق الثروة يعطل تحقيق أهداف الثورة ويهدد مستقبل البلاد واستقرارها ووحدتها, بل أن تواصله قد يدفع البلاد إلى المجهول. صحيح أن صبر الكثيرين نفد دون أن تتحسن أوضاعهم وتتحقق انتظاراتهم, لكن يجب أن يعرف الجميع أن إمكانيات الدولة محدودة ولا تقدر على الاستجابة لكل المطالب في التشغيل والتنمية ومقاومة الفقر والاحتياج وتطوير البنية الأساسية, والحكومة الجديدة لم يمض على تسلمها الإرث الثقيل إلا أسابيع قليلة قضتها في حلحلة الأوضاع الصعبة والتفاوض مع المعتصمين والمحتجين, وهو ما يفترض إمهالها فترة من الزمن لتطبيق برامجها وضبط أولوياته وفرض الاستقرار الأمني والاجتماعي وتهيئة مناخ ملائم للاستثمار وخلق مواطن الشغل. إن تونس للجميع, وعلى كل أبنائها العمل من أجل نمائها, لأن الوطن أكبر من كل الأحزاب, سواء كانت في الحكم أو خارجه, فيمكن أن نعادي حزبا أو أحزابا لكنه لا يمكن في مطلق الأحوال أن نعادي البلاد أو نرتهن مستقبلها , ولو كان يحكمها طاغية أو مستبد, فالأشخاص ذاهبون مهما طالت مدة حكمهم, وتونس باقية أبد الدهر.