تشتهر مدينة نابل بكونها مدينة الصناعات التقليدية بامتياز بوّأتها إلى أن تكون من المناطق الرائدة في هذا المجال منذ أوائل القرن العشرين حيث وإن حافظ بعض الحرفيين على ما ورثوه عن أسلافهم مثل صناعة الحصير فقد خيّر آخرون طريقا آخر. السيد عبد العزيز بن عابدة من بين الذين كافحوا من أجل ألا تندثر صناعة «الحصير» التي ورثها عن جده فكانت لنا معه هذه المصافحة حيث يقول «أنا حرفي أب عن جد، جدي كان أمينا للسمايرية (نسبة لممتهني صناعة الحصير من مادة السمار)، وبالرغم من أنني متحصل على شهادة في اختصاص التقنية إلا أني أبيت إلا أن أحافظ على هذه الحرفة عملا بالمثل الشعبي القائل: يوفى مال الجدين وتبقى صنعة اليدين، إيمانا مني أن التمسّك ب«الصنعة» هو تمسك بالماضي والحاضر والمستقبل». عبد العزيز بن عابدة أو «عزوز» كما يحلو للبعض مناداته اسم أشهر من نار على علم بمدينة نابل وهو الذي يمثل المنطقة في المحافل الدولية كالمعارض والملتقيات التي تعنى بالصناعات التقليدية. 6... سنة التحليق مثلت سنة 2006 المحطة التي انتقل من خلالها محدثنا إلى «العالمية» ويعود الفضل في ذلك حسب قوله إلى المندوب الجهوي للصناعات التقليدية بنابل السيد «عفيف جراد» الذي أعاد للقطاع بريقه وساهم في التعريف به دوليا من خلال المشاركة الفعالة والمتواصلة والحضور الدائم بالمعارض التي يتم تنظيمها للغرض وقد كان محدثنا حاضرا في معرض Orient-Hermes بفرنسا وكذلك معرض فيينا بالنمسا ومصر بالإضافة إلى المعارض الوطنية والتي ذاع فيها صيته حيث كسب عديد الأسواق المحلية والأجنبية كما ازداد الطلب على منتوجاته إلى حد أنه يعجز في بعض الأحيان عن الإيفاء بالتزاماته تجاه حرفائه نظرا لوجود عدة صعوبات. صعوبات تواجه القطاع يقول السيد عبد العزيز بالرغم من أن الطلب على منتوجاتنا يظل قائما على الصعيد المحلي وخاصة على الصعيد الخارجي، إلا أنه يتجاوز بكثير طاقة إنتاجنا نظرا للنقص الواضح في اليد العاملة المختصة وكذلك الشأن للمواد الأولية المتمثلة أساسا في مادة السمار التي يتم جمعها من مجاري الأودية وهي تتواجد في مناطق دون أخرى مثلا في ولايات سيدي بوزيد والقيروان وتوزر، كما أشار إلى غياب المواد الملونة التي يتم استعمالها في تلوين المنتوجات وهذه المواد يتم جلبها من دول بعيدة مثل الصين والهند وهي غير متوفرة في تونس». بين الأصالة والحداثة من المنتوجات التي يتم إنتاجها من مادة السمار نذكر على سبيل الذكر لا الحصر الحصير ذو الاستعمال المنزلي (فراش) والحصير الذي يتم استعماله للصلاة في المساجد وكذلك الحمامات بالإضافة إلى صناعة السلال، هذا الحرفي لم يقتصر على إنتاج هذه المنتوجات فحسب بل عمل على تطويرها بما يلائم روح العصر ومسايرة للتقدم العلمي والثورة التكنولوجية التي مست جميع المجالات، فكان نتاج تفكيره المعمق والبحث الدقيق ابتكار عدة تصاميم لقاعات جلوس وبيوت نوم ومحفظات ولوحات حائطية وغيرها صُنعت كلها من مادة «السمار» لاقت رواجا كبيرا. مطلب ملح يستدرك محدثنا بالقول «في مدينة نابل لا يتعدى الذين يمتهنون هذه الحرفة الأربعية نفرا بين أرباب عمل ويد عاملة وكلهم يتجاوزون الخمسين سنة من العمر وهو ما يطرح إشكالا حقيقيا حول مستقبل هذه المهنة وعليه فهو يدعو منذ سنوات المسؤولين الساهرين على القطاع إلى إحداث مدرسة خاصة لتكوين شبان في هذه الأنواع من الحرف التي على ما يبدو أنها آيلة للاندثار حتى أن أبناءنا الذين هم مخولون أكثر من غيرهم لأخذ المشعل من بعدنا غير مبالين وصناعة الحصير من اخر اهتماماتهم أو شواغلهم.