العلاقات بين تونس وسوريا هي علاقات تاريخية قديمة، فالقيروان أسّسها عقبة بن نافع ولما أسّسها استوطنها 40 ألفا من أهل الشام وصارت القيروان عاصمة للمغرب العربي والأندلس، تتناغم تماما مع دمشق ثقافة وتوجها... ولم تشهد العلاقات التونسية السورية أي تمزق، بل إنها كانت علاقات ودّية فحتى قبل الاستقلال، الجميع يذكر كيف أن التونسيين الذين كانوا مجنّدين في الجيش الفرنسي فرّوا من هذا الجيش والتحقوا بالثورة ا لسورية... وكانت بذلك تونس نموذجا لا مثيل له، نموذج فريد في الوطن العربي قريب لسوريا ولا ننسى أنه خلال الاحتلال الاسباني للأندلس وسقوط الحكم العربي، الكثير من السوريين انتقلوا الى تونس وأقاموا فيها بعلومهم وثقافتهم والكثير من الوسائل التي أدّت الى تطور الاقتصاد التونسي... وهذا في الحقيقة كان له أثر كبير... وكان هناك ودّ وتواصل منذ مئات السنين، حتى في عهد الاحتلال وفي عهد بورقيبة والذي كان لا يرتاح لفكرة القومية العربية نتيجة لثقافته التي غلبت عليها الحداثوية الفرنسية ونتيجة لدعم الزعيم جمال عبد الناصر لصالح بن يوسف... ومع ذلك كان يشتم العرب ويستثني سوريا كما أنه أيضا بالرغم من موقفه هذا التقى في الدارالبيضاء مع الرئيس الراحل حافظ الأسد وطلب منه أن يزور تونس. وفي هذا الاطار أذكر يوم قال لي الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1981 «يا محمد حين دخلت القصر الجمهوري التونسي أخذني بورقيبة من يدي وقال لي من أحبه أضع صورته على الطاولة... لكن حين ذهبت لم أجد إلا صورتي (حافظ الأسد)... فلما سألته أين صور باقي زعماء العرب يا سيادة الرئيس فقال: «هل هناك عرب غيري أنا وإياك!» كذلك يجب أن لا ننسى أنه في عام 1981 حين ساءت العلاقات بين تونس وليبيا على خلفية الجرف القارّي طلبت من حافظ الأسد أن يتدخل ويضع حدّ لهذه الأزمة فأرسل على الفور وفد الى القذافي وطالبه بسحب جيشه من الحدود التونسية وهو ما تمّ فعلا وأدّى الى حلّ الأزمة. أيضا أذكر أنه في عام 1987 أراد حافظ الأسد زيارة ليبيا والجزائر فقلت له كيف تحلق فوق تونس دون أن تزورها، فنزل محبة في تونس واحتراما لها...ومعنى ذلك أنه كانت هناك رغبة، في عهد الرئيس بشار في تطوير العلاقات مع تونس وفي تعزيز الشراكة بين الجانبيين... وكانت هناك نية لاقامة خطوط بحرية بين تونس واللاذقية...وكانت سوريا ستبعث بآلاف أطنان القمح إلى تونس دون أي منة، بالمقابل أعلم جيدا أن هناك ودا وتقديرا واحتراما بين التونسيين والسوريين وأنه كانت هناك إمكانية للتكامل بأن تكون تونس هي «سوريا المغرب» وأن تكون سوريا هي «تونس المشرق» من حيث التقدم والثقافة والازدهار الثقافي والعلمي... وللحقيقة أنه كنا نتمنى أن تتطور العلاقات أكثر خاصة أن البعض من رجال أحد الأحزاب الحاكمة الآن كانوا مؤتمنين على حياتهم في سوريا... وكان من الممكن أن تكون هذه العلاقات التونسية السورية خطا يربط بين المشرق والمغرب ...أنا أتساءل هنا لماذا تبادر تونس إلى قطع العلاقات بينما الأمريكان وقطر والسعودية والمغرب لم تقم بذلك...وبالتالي فإن ما أود قوله أن هذا القرار لايليق بتونس قائدة المغرب العربي وتونس الحرية والعقلانية...فعهدنا بالسياسة التونسية رصينة ورشيدة وغير ارتجالية وحبذا لو تلعب تونس دور حل الأزمة بين السلطة والمعارضة بدل أن تبادر إلى قطع العلاقة مع سوريا فوقتها لن يكون لتونس أي دور على هذا المستوى.