إذا كانت المدرسة مؤسسة تتعايش داخلها أطراف متعددة تخضع العلاقات فيما بينها إلى قواعد مضبوطة بقوانين ولوائح فإن ذلك لا يمنع حدوث تجاوزات وخروقات قد تتطور في بعض الأحيان لتتحول إلى مظاهر عنيفة. علماء النفس والاجتماع والبيداغوجيا دقوا ناقوس الخطر من أجل التصدي لظاهرة العنف في المدرسة ومعالجتها حتى لا تصبح المدرسة وكرا للجريمة. قد يذهب في ظن البعض أن ظاهرة العنف المدرسي في تونس حديثة ومرتبطة بتطور شخصية التلميذ التي تطورت بدورها جراء حركة التنمية التي شهدتها البلاد على مدى خمسة عقود ونيف من تاريخ دولة الاستقلال إذ أنه وبالعودة إلى سجلات وزارة التربية نقف على حالات عديدة لتلاميذ إرتكبوا تجاوزات خطيرة ترتقي في التكييف القانوني لها إلى مستوى الجريمة لكن التعتيم الذي رافقها جعلها لا تصل إلى عامة الناس وعلى سبيل المثال لا الحصر تعرض أحد المعلمين في مدرسة تقع بإحدى مدارس الوسط الشرقي للبلاد في الموسم الدراسي 1968 1969 إلى اعتداء على يدي مجموعة من تلاميذه رموه بالحجارة ما أدى إلى فقدان بصره في عينه اليمنى وبسؤال التلاميذ عن سبب تصرفهم هذا قالوا أن الضحية كان يمعن في إهانتهم وتعذيبهم بالضرب على كفوف الساق وعلى مدى عقدي السبعينات والثمانينات تفاقمت ظاهرة العنف في المبيتات المدرسية وأخذت أشكالا متعددة كالسرقة والتلصص على بيوت الراحة المخصصة للإناث من التلاميذ وحتى الإطار التربوي على أن تلك المرحلة تميزت بنوع آخر من العنف كان طرفه الرئيسي بعض الأساتذة والقيمين الذين أقاموا علاقات جنسية مع بعض التلميذات أثمرت في غالب الأحيان حملا بل وأدت إلى ارتكاب جرائم قتل مولود وكم من جنين أو مولود حديث العهد بالولادة عثر على جثته إما في بيوت الراحة داخل المعاهد أو بالمبيتات. حقوق وعقوق وعلى خطورة هذه الأفعال فإن خبراء التربية في بلادنا كانوا يعتقدون أن المدرسة تحتكم على وسائل وأدوات زجرية كافية لردع المخالفين والحديث هنا على مجالس التأديب التي كانت تنتصب لمعاقبة التلميذ لكن دون الخوض في الأسباب النفسية والاجتماعية التي أدت به إلى إرتكاب ذلك الفعل ويجدر الذكر هنا أن الولي كان دائما في صفّ هذا المجلس الأمر الذي عقد بل وأدى إلى تأزيم العلاقة بين التلميذ وبقية الأطراف المتداخلة في العملية المدرسية من إدارة وإطار تعليمي. ومع إعادة هيكلة مجالس التأديب في منتصف التسعينات ومراجعة عديد النصوص القانونية والأوامر واللوائح المنظمة للعلاقة بين الإدارة المدرسية والتلميذ من جهة والتلميذ والإطار التعليمي من جهة أخرى وإحداث مجلة حقوق الطفل بدأت شخصية التلميذ في الزحف على بقية الشخصيات المتعايشة داخل الفضاء المدرسي إذ أن فهما خاطئا لتلك الحقوق المكتسبة جعلت من التلميذ يعتقد أن سلوكه مهما كان منافيا لقواعد الحياة المدرسية هو من صميم حقه في التعبير عن ذاته وكان من الطبيعي أن تأخذ تلك السلوكات مظاهر مختلفة تبلورت فيما بعد في أشكال متعددة للعنف. العنف المادي لم يعد غريبا في مدارسنا وفي معاهدنا اليوم أن نعثر في محفظة بعض التلاميذ على أسلحة بيضاء أو أدوات حادة أو حتى قوارير غاز صغيرة التي تستخدم لشل الحركة وكان لحادثة معهد نهج مرسيليا في تونس العاصمة سنة 2010 الأثر السيء الذي أصاب الشعب التونسي بأسره بالذهول لما استلّ أحد التلاميذ موسى وحاول إصابة أستاذته داخل القسم وفي مدرسة إعدادية أخرى تقع غرب العاصمة أصاب تلميذ آخر زميل له بسكين في بطنه بسبب فتاة كانا يتنافسان على حبها. وفي ظل التطورات التربوية الحديثة وانتشار فكرة حقوق الطفل والإنسان عموما صار شائعا بين التلاميذ أن من يمتلك القوة الجسدية وحتى الأسلحة البيضاء قادر على الوصول إلى تلك الحقوق بالقوة وفرض إرادته سواءا على زملائه أو حتى على مدرسيه ومربيّه لذلك انتشرت ظاهرة العنف المادي أو الجسدي في المدارس التونسية لتأخذ أشكالا مختلفة ومتعددة حسب المكان والزمان مما تسبب في حالة من الذعر والهلع لدى الإطار التعليمي دفع بالعديد منهم إلى تجاهل ما يريدون حتى في قاعات الدروس خوفا من بطشهم أو من التعرض لهم خارج الفضاء المدرسي. وفي دراسة علمية أجريت على عينة تتكون من 1000 تلميذ ينتمون إلى أوساط إجتماعية مختلفة أن ظاهرة العنف الجسدي منتشرة في صفوف التلاميذ بنسبة 15 ٪ وأكد 93.28 ٪ من المستجوبين على وجوب التدخل في الفضاء التعليمي من أجل وضع حدّ لهذه الظاهرة وذلك بتفعيل القوانين الجزرية لمعاقبة مرتكبي هذه الأفعال أو بتمكينهم من تأطير نفسي وإجتماعي لمعالجتهم من هذه الحالات المرضية. العنف اللفظي يعتبر العنف اللفظي من أكبر مظاهر العنف شيوعا داخل الفضاء المدرسي وهو كل تصرف منطوق يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين وهو عنف يمارس بين التلاميذ أنفسهم أو بين المربين والتلاميذ أو بين الأولياء والمربين ويأخذ دلالات تعبيرية مختلفة كسب الجلالة والشتم والتحقير والتنابز بالألقاب واللعن والتكفير والتحرش الجنسي وفي دراسة أجريت في تونس سنة 2006 تبين أن ظاهرة العنف اللفظي منتشرة في صفوف التلاميذ بنسبة 43.21 ٪ وقد استطاعت هذه الظاهرة من اختراق مناعة الفضاء المدرسي وأصبحت تشكل سياقا تداوليا يتبادله جميع المتعايشين داخل الفضاء المدرسي وقد صار هذا المعجم اللفظي البذيء في السنين الأخيرة من أكثر أشكال التعبير استعمالا سواء بين التلاميذ أو بين التلاميذ والمربين. العنف المجسد يعتبر العنف المجسد كل كتابة أو رسم تتضمن إيحاءات جنسية أو عنصرية يقوم بها في موضوع الحال التلاميذ على جدران المدرسة أو داخل المراحيض والصابورات وعلى غلاف كتبهم وكراريسهم وهي وسائل موجهة إما لزملائهم ممن يعتبرون «أعداء» لهم أو لأساتذتهم ومعلميهم وعادة ما تتضمن هذه الكتابات والرسوم تهديدات تصل إلى «القتل» أو «بالإنتقام» وتشويه السمعة والتحريض ضد التلاميذ والأساتذة ومع إنتشار أنواع قوارير الدهن المعدة للكتابة والرسم على الجدران تفتقت قريحة التلاميذ ليحولوا جدران المدارس إلى ساحة مواجهات فيما بينهم. العنف المنظم لقد كان لحادثة اعتداء مجموعة من التلاميذ ينتمون إلى مدرسة تقع بجهة جبل الجلود من تونس العاصمة سنة 2010 على زميل لهم حيث حولوا وجهته ثم جردوه من ملابسه محاولين الاعتداء عليه جنسيا فضلا كبيرا في الكشف عن نوع جديد من العنف أبطاله مجموعات من التلاميذ منظمين في شكل عصابات عادة ما يزعمها تلميذ يتميز بنزعة عدوانية وتقوم هذه العصابات بترويع بقية التلاميذ وابتزازهم وإجبارهم على دفع بعض الأموال والتنازل على ملابسهم الباهضة الثمن وافتكاك هواتفهم الجوالة وسلبهم الأشياء الثمينة كالساعات وأجهزة الحاسوب وعادة ما تتعامل هذه العصابات المنظمة مع أشخاص من خارج المحيط المدرسي ممن عرفوا بسوابقهم العدلية لمزيد الضغط على زملائهم من بقية التلاميذ للإذعان إلى إرادتهم. العنف الجنسي لقد تداخلت العلاقات بين التلاميذ داخل الفضاء المدرسي إلى درجة مواصلة التعايش فيما بينهم خارج الإطار المدرسي كارتياد قاعات السينما وقاعات الألعاب والمقاهي والفضاءات العامة والملاعب ولطبيعة المرحلة العمرية ولد هذا التعايش سلوكات جديدة أدت في الكثير من الأحيان إلى مأسي اجتماعية كالإغتصاب والحمل وهو ما يعتبره علماء النفس والاجتماع نوعا جديدا من العنف المدرسي صنفوه بالعنف الجنسي. هذا النوع من الجنس أخذ أشكالا متعددة كالتلفظ البذيء والملامسة والإعتداء على أماكن حساسة بالجسد وحتى التقبيل بالإكراه وبإمكان هذا النوع من الجنس أن يتطور إلى الإغتصاب. العنف الديني لقد كان لبروز عديد الحركات الدينية تأثيرها المباشر على الفضاء المدرسي وفي غمرة البحث عن الذات لدى التلاميذ أصبح الدين لدى بعضهم ملاذّا يوفر لهم نوعا من الغذاء الروحي يستعملونه لمواجهة ما يعتبرونه سلوكات شاذة لدى بقية زملائهم ومن الطبيعي أن تؤدي تلك المواجهة إلى صدامات لفرض هذا الرأي أو ذاك بالقوة. وقد ظهرت في الأشهر الأخيرة مجموعات من التلاميذ تنتمي إلى إحدى الحركات الدينية سعت إلى فرض وجودها داخل المدارس بالقوة كإقامة الصلاة داخل قاعات الدرس وتعطيل الدروس لرفع الأذان وإجبار التلاميذ على ارتداء ملابس بعينها وفصل الإناث عن الذكور بإبعاد الطاولات عن بعضها الأمر الذي تسبب في حالة من الإحتقان بل وحتى إلى تبادل العنف بينهم وبين بقية التلاميذ الرافضين لوجودهم. العنف الإتصالي إن إنتشار وسائل الاتصال بين التلاميذ من هواتف جوالة وحواسيب محمولة وانخراط الآلاف منهم في فضاءات التواصل الاجتماعي ساهم في ظهور نوع جديد من العنف أصبح متداولا بكثرة فيما بينهم كتوجيه رسائل التهديد عبر الهواتف الجوالة أو خلق صفحات على شبكات «الفايس بوك» للتحريض على زميل لهم وتشويه سمعة أحد المدرسين وحتى نشر الصور الفاضحة والتهديد وبث الرعب. العنف الرياضي لقد ساهم التعصب الرياضي الذي تشهده منذ سنوات وظاهرة العنف في الملاعب الرياضية في انتشار نوع جديد من العنف مأتاه مجموعات من التلاميذ من مشجعي الفرق الرياضية الذين حولوا الفضاء المدرسي إلى ساحات لتبادل العنف اللفظي والجسدي دفاعا عن فرقهم الرياضية مما ساهم في العديد من الأحيان إلى حالة من الفوضى أدت إلى تدخل أعوان الأمن لتفريق المتسببين في تلك الأحداث خاصة أمام المعهد الفني بتونس العاصمة عشية لقاء بإحدى فريقي العاصمة في موسم 2010.