يُقدّم أمين عام حزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني في هذا الحوار قراءة للمشهد السياسي في هذه المرحلة وموقفه من بعض القضايا والملفات المطروحة على الحكومة الحالية وخصوصا قرار طرد السفير السوري وبعض الملفات الداخلية خصوصا في الجهات المحرومة والمتضرّرة من موجة البرد. رغم أنّ قرار طرد السفير السوري اتّخذ في موفّى الأسبوع الماضي فإنّ تداعياته لا تزال تمثّل حديث الساحة السياسية فضلا عن موجة البرد التي طغت على اهتمامات التونسيين، والتي ترافقت أيضا مع جولة الرئيس المنصف المرزوقي في عدد من الدّول المغاربية في مسعى لإحياء اتحاد المغرب العربي... القوماني يقدّم قراءة لهذه الأحداث وتداعياتها في سياق الحوار التالي: كيف تقرؤون الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة قبل أيام والمتمثلة في طرد السفير السوري؟ هذا حسب رأيي قرار في الاتجاه الصحيح ولكن بأسلوب خاطئ جعله ضعيف الجدوى وأثار انتقادات حادّة للحكومة في الدّاخل، كما أنّ القرار لم يكن مفاجئا باعتبار أنّ تونس احتضنت مؤتمر المجلس الوطني السوري والذي حضره الرئيس المنصف المرزوقي والتقى خلاله رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون، وكانت الأمور تتّجه نحو هذا القرار. ومن الخطإ كذلك اعتبار أنّ هذا القرار غيّر الدبلوماسية التونسية فهذا ليس صحيحا، علما أنّ بن علي قطع العلاقات مرّتين مع إيران وقطر دون توفّر أسباب وجيهة، ففي الأولى ادّعى أنّ إيران توفّر الدعم لحركة النهضة وفي الثانية كانت المقاطعة بسبب قناة الجزيرة... إذن ليس من العيب تغيير الدبلوماسية خاصة بعد الثورة لكنّ الحكمة الدبلوماسية كانت تقتضي أن يحصل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على دعم وطني أكبر لو عُرض الموضوع على المجلس التأسيسي وكان من الممكن أن يكون أكثر فاعلية لو تمّ التشاور مع الدّول المغاربية ومع الجامعة العربية. وعموما أعتبر أنّ اعتماد قرار طرد السفير السوري حجّة للانقسام السياسي عملية مبالغا فيها من جانب بعض الأطراف في المعارضة، ونأمل أن تعتمد الحكومة مزيدا من الحكمة في الأسلوب في تعاطيها مع الملفات الدبلوماسية في المرحلة القادمة. رافقت موجة البرد التي شهدتها تونس على امتداد الأيام الماضية انتقادات لأداء الحكومة وتشكيات من ضعف التدخّل، أيّ دور يمكن أن تقوم به الحكومة والمجتمع المدني لتجاوز هذه الأزمة؟ موجة البرد التي اكتسحت البلاد وخاصة الشمال الغربي هي طبيعية وتحدث في كلّ الدول وكلّ الأوقات، ولكن بالنسبة إلينا في تونس إذا حدثت كارثة ولو بسيطة نرى أنّها شيء عظيم وذلك لسببين، أولهما أنّنا لم نتعوّد على ذلك لأنّ بلادنا ليست عرضة للكوارث إلّا في حالات نادرة، وثانيهما أنّ الكوارث عادة ما تُبرز النواقص الخفية فمن خلال موجة البرد هذه اكتشفنا حجم المنازل الطينية والمنازل التي لا تستوفي شروط السلامة وإمكانات الناس الضعيفة، وتبيّن لنا أنّ الأرقام التي تتحدّث عن رقي تونس في المجال المدني غير صحيحة. والمفروض أن تكون معالجة هذه الأمور من أولويات الحكومة في المرحلة القادمة بعد أن اكتشفنا أنّ الناس ليس لديهم المقومات الأساسية للعيش الكريم... فمن واجب الدّولة إذن أن ترعى الفئات المحرومة والمهمّشة، وأعتبر أنّ الحكومة تحرّكت هذه الأيام بقوة من أجل تطويق الكارثة، ويبدو أنّ الوزارات المختلفة أخذت الأمور بجدّية ونرجو أن يكون درسا لتأهيل مؤسسات الدولة للتعاطي مع مثل هذه الكوارث، ونأمل أن تمرّ الكارثة بأخف الأضرار خصوصا على مستوى الضحايا البشرية. وهناك أيضا مشكلة أخرى وهي ضرورة أن تطوّر مكونات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات الخيرية أساليب عملها في علاقتها المباشرة مع المواطنين لأنه تبيّن انّ الكثير من المساعدات والتبرعات تُصرف في غير محلّها وتُمنح لغير مستحقّيها، ومن المفيد أن تعمل هذه الجمعيات مستقبلا على تطوير إمكاناتها وإيجاد مسالك توزيع ونقاط توزيع ومجمعات خاصة أنّ التضامن في تونس موجود وقد أصبح طوعيا بعد أن كان قسريا في عهد بن علي. أنهى رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي أمس جولة مغاربية قادته إلى المغرب وموريتانيا والجزائر، في أي إطار تضعون هذه الجولة وما هي تداعياتها على مستقبل العمل المغاربي؟ من الإيجابي أن يقوم رئيس الجمهورية بجولة في دول المغرب العربي، ولكن ما شدّ انتباهي أنه بدأ بالمغرب وهو الذي صرّح خلال الحملة الانتخابية بأنه إذا أصبح رئيسا ستكون محطّته الأولى الجزائر... المرزوقي ذهب إلى ليبيا قبل أسابيع ولكن نعلم الظروف الاستثنائية لتلك الزيارة واليوم بدأ جولته المغاربية من المغرب وبدا أنّ رابطا كبيرا يشدّه إلى المغرب خاصة أنّ والده مات ودُفن هناك. ونحن نتمنى أن ينجح الرئيس في تقوية الروابط خصوصا مع الجزائر، ذلك أنه لا تزال هناك بعض الالتباسات التي حصلت بسبب تصريحات سابقة.