- إنه بالتأكيد أول امتحان تواجهه الحكومة، فبعد موجة الاعتصامات جاءت موجة البرد والثلوج ووجود مدن وقرى في عزلة وكأنها جاءت لتتمم عزلة سابقة رزح تحتها الأهالي بفعل سياسات تعتمد الإقصاء وتتعمد التهميش. ودون السقوط في التبرير أو التهويل بخصوص أداء الحكومة في نجدة الأهالي وتعاملها مع الكارثة الطبيعية أو محاولة إيجاد تفسير ميتافيزيقي للكارثة بتقديمها على أنها «تصويت» ضدّ الحكومة مثل ما كتبه زميل في صحيفة يومية، لا مفرّ من التعامل بواقعية مع أزمة الثلوج. المراقب ليس كمن يوجد في قلب العاصفة أو وسط حريق يسعى إلى إطفائه لكن من المهمّ معرفة ما إذا كان الإطفائي على علم بالحريق منذ اندلاع الشرارة الأولى وما إذا كان تحوّل في الإبان على عين المكان. وهذا ما ينطبق على أزمة الثلوج لأن السؤال الذي ظل مطروحا هو: هل كان تحرّك الحكومة في الوقت المناسب أم جاء متأخرا بعض الشيء؟ وقبل الخوض في المسألة لا بد من توضيح أمر هام وهو أننا في مرحلة تأسيسية وبالتالي نعتبر الرئاسات الثلاث أي رئيس الجمهورية ورئاسة كل من الحكومة والمجلس التأسيسي مسؤولة عن البلاد وعما يحدث فيها. وعندما نكتشف أن المجلس التأسيسي المنتخب والذي يعبّر نظريا عن صوت الشعب وإرادته كان طيلة الأزمة في عطلة ولم يكلف نفسه حتى عناء قطع العطلة لسبب طارئ، لا يمكننا سوى الاستغراب من هؤلاء الممثلين بلجانهم وأحزابهم وكتلهم الذين فضلوا الدفء ولم يصدر منهم حتى دعوة للانعقاد في جلسة طارئة لمتابعة الأوضاع حتى شكليا كنوع من التضامن والمؤازرة. أما رئيس المجلس الدكتور مصطفى بن جعفر فيبدو أنه فضل بلجيكا على قطع زيارته والعودة إلى البلاد.. فقد تعلمنا أن في البلدان التي يحترم فيها الشعب وانطلاقا من تحمل المسؤولية يتعين على المسؤولين أن يكونوا متواجدين خلال الأزمات الكبرى والكوارث الطبيعية.. ليس الأمر بدعة وإنما من متطلبات طبيعة الأشياء وهو بالتأكيد لا يتنافى مع المنطق. ويبقى رئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي الذي كان في الأثناء يقوم بجولة مغاربية لا أحد ينكر جدواها أو يشك في قيمتها سياسيا وديبلوماسيا بل كان يفترض أن يقطع هو الآخر جولته بدل مواصلتها، فقضايا المغرب العربي وقمته ليست مسألة حياة أو موت فقد اعتدنا منذ عقود طويلة على مغرب عربي ولد ميتا، وعلى اتحاد مغاربي مشلول، هذا إذا لم يكن اصطناعيا، كان يرجى منه غلق أفواه الشعوب الطامحة فعلا إلى التعاون والتكامل والوحدة مغاربيا. صحيح أنه يحق لرئيس الجمهورية ممارسة صلاحياته كما حددها قانون السلطة المؤقتة لكن مهما كانت تلك الصلاحيات رمزية أو تشريفاتية فهو رئيس جمهورية، والمنصب من هيبة الدولة وسمعتها، فهل رأيتم يوما الرئيس الروسي خارج البلاد بينما روسيا تواجه أضخم حرائق غابات في تاريخها (جويلية 2010)؟ وفي الزلازل والفياضانات هل كان قادة الدول المنكوبة متواجدين خارج حدود بلدانهم؟ بالتأكيد كل ثقل أزمة الثلوج تحملته الحكومة، هناك لوم لأنها لم تتحرك بصورة استباقية بالنظر إلى أن معهد الرصد الجوي كان أول المحذرين، ولكن عندما تحركت كانت الأزمة قد استفحلت، وعُِزلت مدن وقرى، وبقي الأهالي محرومين من الأغذية ووسائل التدفئة. قد تكون زيارة حمادي الجبالي رئيس الحكومة إلى جندوبة أنقذت الموقف، رغم أنه اكتشف على عين المكان محدودية الجهة في التعامل مع تراكم الثلوج نظرا لنقص التجهيزات ولعله استنتج أمرا هاما وهو أن ممارسة الحكم لا بد أن تكون موازية لواقع معين بتوفر إمكانيات وبنية تحتية. إن مناسبة مثل هذه من شأنها أن تفتح العيون على زوايا خفية أو مهملة في البلاد ككل، فبين حملة انتخابية وبرنامج انتخابي ونتائج صندوق الاقتراع وممارسة الحكم والواقع بملفاته الكبرى الاجتماعية والاقتصادية أساسا، والكوارث الطبيعية -وكل بلاد معرضة لها- هناك مسافة أو هوّة لا بدّ من تقليصها والحكمة تكمن في كيفية القيام بذلك. ولعلنا مرّة أخرى نكون في حاجة إلى درس ياباني حيث كان رئيس الوزراء الياباني»ناوتو كان» خلال الكارثة الثلاثية -الزلزال وتسونامي والانفجار في محطة فوكوشيما النووية (مارس 2011)- متواجدا خلال كامل مراحل الكارثة وظل متابعا أطوارها وعلى اتصال شبه دائم بالرأي العام الياباني عبر وسائل الإعلام. وفي انتظار التمكن من تكوين رصيد من ردود الفعل الفورية وتوفر أدنى وسائل مجابهة الكوارث الطبيعية محليا نسجل غياب عنصر التعاون سواء على الصعيد المغربي أي مع الجزائر، فقد كان يُفترض تنسيق بين الجهات المتدخلة خصوصا على الصعيد الميداني وتحديدا التجهيزات لفك عزلة القرى أو على الصعيد الأورومتوسطي بطلب مساعدة من بلد أوروبي لديه فرق عمل متخصصة وخبراء في مواجهة الثلوج. وفي مقابل اجتهادات الرئاسات الثلاث في التعامل مع أزمة الثلوج كان هناك مواطنون متطوعون وجمعيات خيرية تمنوا في لحظات أن يطير بهم سجّاد سحريّ إلى المناطق المتضررة والمعزولة لإيصال المعونات وفك العزلة عن إخواننا الذين ساءهم أن تتأكد لديهم عزلتهم مهما كانت حالة الأجواء. إننا نكبر تواضع مواطنين قدموا مساعدات وتبرّعات ورفضوا الظهور أمام كاميرا التلفزة الوطنية للتباهي فقد كانوا على ثقة تامة من أنهم تصرّفوا كمواطنين وأن التضامن يمكن أن يكون بعيدا عن الأضواء. سؤال وحيد ينتظر الإجابة: أين المال السياسي في أزمة الثلوج؟ بعد أن تغوّل وكان يشتري الذمم والأصوات والمساحات الإشهارية وقد تزوّد بكاتم للصوت إلى حين حلول موعد الانتخابات المقبلة.